إنّي أحسبك أمينا ، فاخلفني في أهلي خلافة حسنة. قال : نعم ، وأوصني بعمل ، قال : أنّي أكره أن أشقّ عليك. قال : ليس يشقّ عليّ. قال : فاضرب من اللّبن لبيتي حتّى أقدم عليك. قال : ومرّ الرّجل لسفره ، ثمّ رجع وقد شيّد بناءه فقال : أسألك بوجه الله ما سبيلك وما أمرك؟ قال : سألتني بوجه الله ، ووجه الله أوقعني في العبوديّة. فقال الخضر : أخبرك من أنا؟ أنا الخضر الّذي سمعت به ، سألني مسكين صدقة فلم يكن عندي شيء أعطيه فسألني بوجه الله ، فمكّنته من رقبتي فباعني ، وأخبرك أنّه من سئل بوجه الله فردّ سائله وهو يقدر وقف يوم القيامة وليس على وجهه جلد ولا لحم ولا عظم يتقعقع».
فقال الرّجل : آمنت بالله ، شققت عليك يا نبيّ الله ولم أعلم قال : لا بأس ، أحسنت وأبقيت. فقال الرّجل : بأبي وأمّي يا نبيّ الله ، احكم في أهلي ومالي بما شئت ، أو اختر فأخلّي سبيلك قال : أحبّ أن تخلّي سبيلي ، فأعبد ربّي. قال : فخلّى سبيله ، فقال الخضر : الحمد لله الّذي أوثقني في العبوديّة ثمّ نجّاني منها».
قلت : وسند هذا الحديث حسن لو لا عنعنة بقية ، ولو ثبت لكان نصّا أن الخضر نبي لحكاية النبيّ صلىاللهعليهوسلم وقول الرجل : يا نبيّ الله ، وتقريره على ذلك.
ذكر من ذهب إلى أن الخضر مات
نقل أبو بكر النقاش في تفسيره عن علي بن موسى الرضا وعن محمد بن إسماعيل البخاريّ ، أن الخضر مات وأن البخاري سئل عن حياة الخضر ، فأنكر ذلك واستدلّ بالحديث : أن على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها أحد ، وهذا أخرجه هو في الصّحيح عن ابن عمر ، وهو عمدة من تمسّك بأنه مات ، وأنكر أن يكون باقيا.
أبو حيّان في تفسيره : الجمهور على أنه مات. ونقل عن ابن أبي الفضل المرسيّ أنّ الخضر صاحب موسى مات ، لأنه لو كان حيا لزمه المجيء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم والإيمان به واتباعه.
وقد روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «لو كان موسى حيّا ما وسعه إلّا اتّباعي» وأشار إلى أن الخضر هو غير صاحب موسى.
وقال غيره لكل زمان خضر ، وهي دعوى لا دليل عليها ونقل أبو الحسين بن المنادي في كتابه الّذي جمعه في ترجمة الخضر عن إبراهيم الحربي أنّ الخضر مات. وبذلك جزم ابن المنادي المذكور.
ونقل أيضا عن علي بن موسى الرضا ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه قال :