وقال العلّامة المرعشيّ في «نشر الطّوالع» : «يجب تعظيم جميع أصحاب النّبي صلىاللهعليهوسلم والكفّ عن مطاعنهم ، وحسن الظّنّ بهم ، وترك التّعصّب والبغض لأجل بعضهم على بعض ، وترك الإفراط في محبّة بعضهم على وجه يفضي إلى عداوة آخرين منهم والقدح فيهم ، فإن الله تعالى أثنى عليهم في مواضع كثيرة منها قوله تعالى : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ..) (١)
الآية.
وقد أحبّهم النّبي صلىاللهعليهوسلم وأثنى عليهم وأوصى أمّته بعدم سبّهم وبغضهم وأذاهم ، وما ورد من المطاعن ، فعلى تقدير صحته له محامل وتأويلات ، ومع ذلك لا يعادل ما ورد في مناقبهم ، وحكي عن آثارهم المرضية وسيرهم الحميدة نفعنا الله بمحبّتهم أجمعين (٢).
قال : الإمام النّوويّ ـ رحمهالله تعالى : واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة ، فلشدّة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام : قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحقّ في هذا الطرف ، وأن مخالفه باغ فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه فعلوا ذلك ، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخّر عن مساعدة الإمام العدل في قتال البغاة.
وقسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطّرف الآخر ، فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه.
وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية وتحيّروا فيها ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين ، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم ، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك ، ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين وأن الحق معه لما جاز لهم التأخّر عن نصرته في قتال البغاة عليه.
فكلهم معذورون ـ رضياللهعنهم ـ ولهذا اتّفق أهل الحق ومن يعتدّ به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم رضياللهعنهم أجمعين.
__________________
(١) التحريم : ٨.
(٢) نشر الطوالع للعلامة المرعشي الشهير بساجقلي زاده ص ٣٨٥ وما بعدها.