فقال العلّامة البيجوريّ في شرحه عليها :
وقد وقع تشاجر بين علي ومعاوية ـ رضياللهعنهما ـ وقد افترقت الصحابة ثلاث فرق :
فرقة اجتهدت ، فظهر لها أن الحق مع عليّ ، فقاتلت معه ، وفرقة اجتهدت ، فظهر لها أن الحق مع معاوية ، فقاتلت معه ، وفرقة توقّفت.
وقد قال العلماء : المصيب بأجرين والمخطئ بأجر ، وقد شهد الله ورسوله لهم بالعدالة ، والمراد من تأويل ذلك أن يصرف إلى محمل حسن لتحسين الظّنّ بهم فلم يخرج واحد منهم عن العدالة بما وقع بينهم ، لأنهم مجتهدون.
وقوله : (إن خضت فيه) أي إن قدّر أنّك خضت فيه فأوّله : ولا تنقص أحدا منهم ، وإنما قال المصنّف ذلك لأن الشّخص ليس مأمورا بالخوض فيما جرى بينهم ، فإنه ليس من العقائد الدّينية ، ولا من القواعد الكلامية ، وليس ممّا ينتفع به في الدّين ، بل ربّما ضرّ في اليقين ، فلا يباح الخوض فيه إلا للرّدّ على المتعصبين ، أو للتّعليم كتدريس الكتب التي تشتمل على الآثار المتعلقة بذلك ، وأما العوام فلا يجوز لهم الخوض فيه لشدّة جهلهم ، وعدم معرفتهم بالتأويل. (١)
وقال السّعد التّفتازانيّ : «يجب تعظيم الصّحابة والكفّ عن مطاعنهم ، وحمل ما يوجب بظاهره الطّعن فيهم على محامل وتأويلات ، سيّما المهاجرين والأنصار وأهل بيعة الرّضوان ، ومن شهد بدرا وأحدا والحديبيّة ، فقال : انعقد على علوّ شأنهم الإجماع ، وشهد بذلك الآيات الصّراح ، والأخبار الصّحاح».
«وللرّوافض سيما الغلاة منهم مبالغات في بغض البعض من الصّحابة ـ رضياللهعنهم ـ والطّعن فيهم بناء على حكايات وافتراءات لم تكن في القرن الثّاني والثّالث ، فإياك والإصغاء إليها ، فإنّها تضلّ الأحداث ، وتحيّر الأوساط وإن كانت لا تؤثر فيمن له استقامة على الصّراط المستقيم ، وكفاك شاهدا على ما ذكرنا أنّها لم تكن في القرون السّالفة ولا فيما بين العترة الطّاهرة ، بل ثناؤهم على عظماء الصّحابة وعلماء السّنّة والجماعة ، والمهديين من خلفاء الدّين مشهور وفي خطبهم ورسائلهم وأشعارهم ومدائحهم مذكور» (٢).
__________________
(١) شرح الجوهرة للقاني ١٠٤ ، ١٠٥.
(٢) المقاصد للتفتازاني ٥ / ٣٠٣ ، ٣٠٤.