فأخبر النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أن خير القرون قرنه مطلقا ، وذلك يقتضي تقديمهم في كل باب من أبواب الخير ، وإلّا لو كان خيرا من بعض الوجوه فلا يكونون خير القرون مطلقا (١).
وقد يقول قائل : إن هذه الأدلّة تتناول أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذين كانوا معه قبل الفتح ، وأمّا من أسلم بعد الفتح فلا دليل على عدالتهم ، فأسوق جوابا له قول الدّكتور محمّد السّماحيّ : (وأما مسلمة الفتح والأعراب الوافدون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهؤلاء لم يتحملوا من السنة مثل ما تحمّل الصّحابة الملازمون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن تعرّض منهم للرّواية كحكيم بن حزام ، وعتّاب ، وغيرهم عرفوا بالصّدق والدّيانة وغاية الأمانة على أنه ورد ما يجعلهم أفضل من سواهم من القرون بعدهم ، كقوله صلىاللهعليهوسلم : «خير القرون قرني ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الّذين يلونهم ثمّ يفشو الكذب» (٢).
وهو حديث صحيح مروي في «الصّحيحين» وغيرهما بألفاظ مختلفة ، والخيرية لا تكون إلا للعدول الذين يلتزمون الدّين والعمل به. وقال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (٣).
والخطاب الشّفهيّ لصحابة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن حضر نزول الوحي ، وهو يشمل جميعهم ، وكذلك قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ، لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (٤) ، وسطا : عدولا.
فالإسلام كان في أول شبابه فتيّا قويّا في قلوب من أذعنوا له واتّبعوا هداه ، وتمسّكوا بمبادئه ، واصطبغوا بصبغته ، فكانت العدالة قوية في نفوسهم شائعة في آحادهم ، حتى إننا نرى الذين وقعوا منهم في الكبائر ما لبثوا أن ساقتهم عزائمهم إلى الاعتراف وطلب الحدّ ، ليطهروا به أنفسهم ، وسارعوا إلى التّوبة حيث تاب الله عليهم ، ولا نريد بقولنا : الصحابة عدول ـ أكثر من أنّ ظاهرهم العدالة (٥).
ثناء أهل العلم على الصّحابة
وهذا الثّناء للاستئناس وليس للتّدليل إذ لا يصحّ القول مع الله عزوجل ورسولهصلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) أعلام الموقعين ٤ / ١٠٤.
(٢) أخرجه التّرمذي ٤ / ٤٧٦ (٢٣٠٣) وذكره ابن حجر في تلخيص الحبير ٤ / ٢٠٤.
(٣) آل عمران : ١١٠.
(٤) البقرة : ١٤٣.
(٥) المنهج الحديث في علوم الحديث ص ٦٣ نقلا عن السنة قبل التدوين د. الخطيب ، وانظر السنة قبل التدوين ٤٠١ ، ٤٠٢.