(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ، أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١) فالجن الذين لم يتبعوه ليسوا مفلحين ، وإنما يكون كذلك ، وإذا ثبتت رسالته في حقهم.
وكقوله تعالى : (لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) (٢) ، وكقوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٣) ، ونحو ذلك من الآيات أيضا قوله تعالى : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) (٤) ، ومن الجن كذلك ، ولو تتبّعنا الآيات التي من هذا الجنس لوجدناها جاءت كثيرة.
واعلم أن المقصود بتكثير الأدلة أن الآية الواحدة والآيتين قد يمكن تأويلها ، ويتطرّق إليها الاحتمال فإذا كثرت قد تترقى إلى حدّ يقطع بإرادة ظاهرها ، وبقي الاحتمال والتأويل عنها.
وأمّا السّنّةففي صحيح مسلم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : (فضّلت على الأنبياء بستّ : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرّعب ، وأحلّت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافّة ، وخيم بي التّيسيّون) (٥).
ومحل الاستدلال قوله : (وأرسلت إلى الخلق كافّة) ، فإنه يشمل الجن والإنس ، وحمله على الإنس خاصّة تخصيص بغير دليل فلا يجوز ، والكلام فيه كالكلام في قوله تعالى : (لِلْعالَمِينَ).
فإن قال قائل : على أن المراد بالخلق الناس رواية البخاري من حديث جابر عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد من الأنبياء قبلي) (٦) ، فذكر من جملتها :
__________________
(١) الأعراف : ١٥٧.
(٢) الأحقاف : ١٢.
(٣) البقرة : ٢.
(٤) يس : ١١.
(٥) أخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٣٧١ ـ ٣٧٢ كتاب المساجد ومواضع الصلاة (٥) حديث رقم (٥ / ٥٢٣) والترمذي في السنن ٤ / ١٠٤ ـ ١٠٥ كتاب السير (٢٢) باب ما جاء في الغنيمة (٥) حديث رقم ١٥٥٣ وقال حسن صحيح وأحمد في المسند ٢ / ٤١٢ ـ والبيهقي في السنن ٢ / ٤٣٢ ، ٩ / ٥ والبيهقي في دلائل النبوة ٥ / ٤٧٢ ـ وذكره الهيثمي في الزوائد ٨ / ٢٦٩ ـ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٣١٩٣٢.
(٦) متفق عليه من حديث جابر بن عبد الله رضياللهعنه أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦ كتاب القيم (٧) باب (١) حديث رقم (٣٣٥) ـ واللفظ له ـ ومسلم في الصحيح ١ / ٣٧٠ كتاب المساجد (٥) حديث رقم (٣ / ٥٢١) وأحمد في المسند ٣ / ٣٠٤ ، ٥ / ١٤٨ ـ والدارميّ في السنن ٢ / ٢٢٤ والبيهقي في السنن ١ / ٢١٢ ، ٢ / ٣٢٩ ، ٤٣٣ ، ٦ / ٢٩١ ، ٩ / ٤٠ وأبو نعيم في الحلية ٨ / ٣١٦ ـ وابن أبي شيبة ـ