وخضوع الأعناق : كناية عن الذلة والخضوع ، لما يقع على الإنسان من شدائد وأهوال ، حيث تثقل الرأس ، ويضعف العنق عن حملها ، وحمل ما بها من هموم.
قوله تعالى :
(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ).
أي أن هؤلاء المشركين ، لا يتأثرون إلا بما هو مادىّ ، يقع على أجسادهم ويصيبهم في جوارحهم ، شأنهم في هذا شأن الحيوان .. أما ما يقع لعقولهم من آيات الله وكلماته ، فإنهم لا يتأثرون له ، ولا يفقهون مواقع العبرة والعظة منه .. وهذه آيات الله وكلماته ، تجيئهم يوما بعد يوم ، وتطلع عليهم حالا بعد حال ، فلا يزيدهم ذلك إلا إعراضا عنها ، وكفرا بها .. وإذن فإن تطاول الزّمن بهم ، وتوارد الآيات عليهم ، لا يغيرّ من أمرهم شيئا. وإن حرصك ـ أيها النبيّ ـ على هداهم ، وجريك وراءهم ، ولقاءك إياهم بكل ما ينزل عليك من السماء ـ إن كل هذا لا يغنى شيئا ، ولا يحقق الغاية التي تسعى إليها من أجلهم .. وآية واحدة تفتح القلوب المستعدة للإيمان ، المتفتحة للخير .. وعشرات الآيات ، ومئاتها ، وألوفها لا تغير من حال القلوب المريضة ، والنفوس السقيمة ، التي تلتقط كل دواء .. (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٩٦ ـ ٩٧ : يونس) ..
قوله تعالى :
(فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ..
أي فقد كذبوا بالآيات السابقة التي تلقوها منك ـ أيها النبي ـ فأنكروها وأنكروك .. وإذن فلا ينفعهم ما سينزل عليك من آيات بعد هذا ، وإذن فلينتظروا البلاء والعذاب ، وسيعلمون علما متيقنا ، حقيقة هذا الذي يكذبون به من آيات الله ، وأنه الحق من ربهم .. ولكن ذلك يكون بعد فوات الأوان ..