قوله تعالى :
(لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) .. البخع : الهلاك غمّا وكمدا .. والأسلوب أسلوب ورجاء ، يراد به الإنكار ..
والمعنى ، لم تهلك نفسك أسى وحسرة ، على أهلك وقومك إذ لم يؤمنوا بالله ، ولم يستجيبوا لك؟ إنهم لا يستأهلون هذا ، ولا يستحقون من أحد أن يحرص عليهم ، فهم ممن لا وزن لهم في ميزان الإنسانية.
وفي التعبير عن هذا الإنكار ، بأسلوب الرجاء ، ما يكشف للنبى عن موقفه العجيب من قومه ، وأنه إذ يرجو لهم النجاة ، كأنما يرجو لنفسه ـ فى الوقت ذاته ـ الهلاك ، والتلف! وفي هذا ما فيه من التناقض .. فإن من الظلم للنفس أن يطلب الإنسان لغيره السلامة بعطب نفسه وتلفها .. فارفق بنفسك أيها النبي ، ولا عليك أن يضل الضالون ، ويهلك الظالمون .. (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ).
قوله تعالى :
(إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ).
أي إن حرصك أيها النبي على هداية قومك الضالين المشركين ، لن يخرج بهم عماهم فيه من ضلال وشرك ، لأن الله سبحانه وتعالى لم يرد هدايتهم : (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٣٧ : النحل) وإن الله سبحانه وتعالى ، لو أراد أن يهديهم لهداهم قهرا وقسرا ، ولأنزل عليهم آية لا يملكون معها قولا ، ولا يستطيعون من يديها إفلاتا ، تلك الآيات المهلكة التي تقطع على الناس سبيل الخروج من سلطانها ، فإذا عاينوا آية من تلك الآيات خضعوا لها ، وذلوا لسلطانها ، وجاءوا إلى الله مؤمنين ، كما جاء فرعون إلى الله مؤمنا ، حين أدركه الغرق .. فقال : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٩٠ : يونس)