الأمارة غير الأتان. تولى الحكم بدمشق عدة أعوام ، ثم صرف واستمر الى أن لحق بالسالفين من العلماء والأعلام ، وناب له صهره القاضي الامام العالم العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح المقدسي رحمهالله تعالى ، فشكرت سيرته وأحكامه ، افتى ودرس ، وناظر وصنف وأفاد. وكان ذا حظ من زهد وتعفف ، وله صيانة وورع ثخين ، ودين متين ، حدث عن عيسى المطعم وغيره ، توفي رحمهالله تعالى بالصالحية في شهر رجب سنة ثلاث وستين وسبعمائة عن إحدى وخمسين سنة انتهى. وناب عن جمال الدين المرداوي ابن أخيه : الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن التقي (١) من حين توجه الى الحج سنة ستين ، واستمر يحكم عنه سبع سنين إلى أن عزل مستخلفه ، توفي جمال الدين المذكور يوم الثلاثاء ثامن شهر ربيع الأول سنة تسع وستين وسبعمائة بالصالحية وصلي عليه بعد الظهر بالجامع المظفري ، ودفن بتربة شيخ الاسلام موفق الدين في الروضة بسفح قاسيون ، وحضره جمع كثير رحمهالله تعالى ، ثم تولى بعده شرف الدين ابن قاضي الجبل هو أحمد ابن قاضي القضاة شرف الدين حسن الذي تقدم أوائل القضاة بدمشق ، ولد في الساعة الاولى من يوم الاثنين تاسع شعبان سنة ثلاث وتسعين وستمائة ، وكان من أهل البراعة والفهم ، متفننا عالما بالحديث وعلله ، والنحو واللغة والأصلين والمنطق ، وكان في الفروع له القدم العالي ، قرأ على الشيخ تقي الدين عدة مصنفات في علوم شتى ، وقرأ عليه المحصل للرازي ، وأفتى في شبيبته وأذن له بالافتاء هو وغيره ، وسمع في صغره من اسماعيل الفراء (٢) ومحمد ابن الواسطي ، ثم طلب بنفسه بعد العشر وسبعمائة فسمع من القاضي تقي الدين سليمان وأجازه والده والمنجا التنوخي وابن القواس وابن عساكر ، وخرج له المحدث شمس الدين مشيخة عن ثمانية عشر شيخا حدث بها ، ودرس بعدة مدارس ، ثم طلب في آخر عمره الى مصر للتدريس بمدرسة السلطان حسن ، وولي مشيخة سعيد السعداء ، وأقبل عليه أهل مصر وعنه أخذوا ، ثم عاد إلى الشام وأقام بها مدة يدرس ويشتغل ويفتي ورأس على أقرانه
__________________
(١) شذرات الذهب ٦ : ٣٠٤.
(٢) شذرات الذهب ٦ : ٨٩.