وكان الفرزدق زير نساء وصاحب زيّ على ما ذكر الجاحظ ، وقال : وكان لا يحسن بيتا واحدا في صفاتهنّ واستمالة أهوائهنّ ، ولا في صفة عشق وتباريح حبّ ، وجرير ضدّه في إرادتهنّ ، وخلافه في وصفهنّ ، أحسن خلق الله تشبيبا ، وأجودهم نسيبا ، وهذا ظاهر معروف.
الأصمعيّ : ثنا أبو مودود ، ثنا شفقل راوية الفرزدق قال : طلّق الفرزدق امرأته النّوّار ثلاثا ، وقال لي : يا شفقل ، امض بنا إلى الحسن (١) حتى نشهده على طلاق نوّار ، قلت : أخشى أن يبدو لك فيها ، فيشهد عليك الحسن فتجلد ويفرّق بينكما ، فقال : لا بدّ منه ، فمضينا إلى الحسن في حلقته ، فقال له الفرزدق : يا أبا سعيد ، علمت أنّي قد طلّقت النّوّار ثلاثا ، فقال : قد شهدنا عليك ، ثم بدا له بعد فأعادها ، فشهد عليه الحسن ، ففرّق بينهما ، فأنشأ الفرزدق يقول :
ندمت ندامة الكسعيّ لمّا |
|
مضت (٢) منّي مطلّقة نوار |
وكانت جنّتي فخرجت منها |
|
كآدم حين أخرجه الضّرار |
فلو أنّي ملكت يدي وقلبي (٣) |
|
لكان عليّ للقدر الخيار(٤) |
وروى الأصمعيّ وغيره أنّ النّوار ماتت ، فخرج الحسن في جنازتها ، فقال الفرزدق : يا أبا سعيد ، يقول النّاس حضر هذه الجنازة خير النّاس وشرّ النّاس ، فقال الحسن : لست بخير النّاس ولست بشرّهم ، ما أعددت لهذا اليوم يا أبا فراس؟ قال : شهادة أن لا إله إلّا الله منذ ثمانين سنة ، وفي رواية : منذ سبعين سنة ، قال الحسن : نعم العدّة ، ثم أنشأ الفرزدق يقول :
أخاف وراء القبر إن لم يعافني |
|
أشدّ من القبر التهابا وأضيقا |
إذا جاءني يوم القيامة قائد |
|
عنيف وسوّاق يسوق (٥) الفرزدقا |
__________________
(١) أي الحسن البصري المشهور.
(٢) في طبقات الشعراء لابن سلّام ووفيات الأعيان : «غدت».
(٣) في طبقات الشعراء* ولو ضنّت يداي بها ونفسي*.
(٤) والأبيات الثلاثة في الأغاني ٢١ / ٢٩٠ بتقديم وتأخير.
(٥) في الأغاني ٢١ / ٣٩٢ «يقود».