وقال غيره : لما توفّي عبد العزيز ، طلب عبد الملك عمر بن عبد العزيز إلى دمشق ، فزوّجوه بابنته فاطمة ، وكان الذين يعيبون عمر من حسّاده لا يعيبونه إلّا بالإفراط في التّنعّم والاختيال في المشية ، هذا قبل الإمرة ، فلمّا ولّي الوليد الخلافة ، أمّر عمر على المدينة ، فوليها من سنة ستّ وثمانين ، إلى سنة ثلاث وتسعين ، وعزل ، فقدم الشام ، ثم إنّ الوليد عزم على أن يعزل أخاه سليمان من العهد وأن يجعل وليّ عهده ولده عبد العزيز بن الوليد ، فأطاعه كثير من الأشراف طوعا وكرها ، وصمّم عمر بن عبد العزيز ، وامتنع ، فطيّن عليه الوليد ، كما ذكرنا في ترجمة عبد العزيز.
قال أبو زرعة عبد الأحد بن اللّيث الفتياني : سمعت مالكا يقول : أتى فتيان إلى عمر بن عبد العزيز فقالوا : إنّ أبانا توفّي وترك مالا عند عمّنا حميد الأمجي (١) ، فأحضره عمر ، وقال له : أنت القائل :
حميد الّذي أمج داره |
|
أخو الخمر ذو الشّيبة الأصلع (٢) |
أتاه المشيب على شربها |
|
فكان كريما فلم ينزع (٣) |
قال : نعم. قال : ما أراني إلّا حادّك ، أقررت بشربها ، وأنّك لن تنزع عنها ، قال : أين يذهب بك ، ألم تسمع الله يقول : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) (٤) قال : أولى لك يا حميد ما أراك إلّا قد أفلتّ ، ويحك يا حميد ، كان أبوك رجلا صالحا وأنت رجل سوء ، قال : أصلحك الله وأيّنا يشبه أباه ، كان أبوك
__________________
(١) الأمجي : بفتح الألف والميم. والأمج في اللغة : العطش. وهو بلد من أعراض المدينة بينها وبين مكة على أميال من قديد. (معجم ما استعجم ١ / ١٩٠ ، معجم البلدان ١ / ٢٤٩ ، الروض المعطار ٣٠).
(٢) أورد المبرّد هذا البيت في الكامل في الأدب بضم العين في آخره (١ / ١٤٨).
(٣) البيتان في معجم ما استعجم للبكري ١ / ١٩١ بالضمّ في الآخر ، وأوردهما ياقوت مع بيت ثالث بكسر الآخر (معجم البلدان ١ / ٢٥٠) ، والبيتان أيضا في الروض المعطار ٣٠ (انظر في المصادر مادّة «أمج») وفيها «علاه» بدل «أتاه».
(٤) سورة الشعراء ، الآية ٢٢٤ ـ ٢٢٦.