قوله تعالى : (خَرَقَها) أي : شقّها. قال المفسّرون : قلع منها لوحا ، وقيل : لوحين مما يلي الماء ، فحشاها موسى بثوبه وأنكر عليه ما فعل بقوله : (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر : لتغرق بالتاء أهلها بالنّصب. وقرأ حمزة ، والكسائيّ : «ليغرق» بالياء ، أهلها برفع اللام. قوله تعالى : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) وفيه ثلاثة أقوال : أحدها : منكرا ، قاله مجاهد. وقال الزّجّاج : عظيما من المنكر. والثاني : عجبا ، قاله قتادة ، وابن قتيبة. والثالث : داهية ، قاله أبو عبيدة. قوله تعالى : (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) في هذا النّسيان ثلاثة أقوال (١) : أحدها : أنه على حقيقته ، وأنه نسي.
(٩٣٩) روى ابن عباس عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنّ الأولى كانت نسيانا من موسى».
والثاني : أنه لم ينس ، ولكنه من معاريض الكلام ، قاله أبيّ بن كعب ، وابن عباس. والثالث : أنه بمعنى التّرك. فالمعنى : لا تؤاخذني بما تركته مما عاهدتك عليه ، ذكره ابن الأنباري.
قوله تعالى : (وَلا تُرْهِقْنِي) قال الفرّاء : لا تعجلني. وقال أبو عبيدة ، وابن قتيبة ، والزّجّاج : لا تغشني. قال أبو زيد : يقال : أرهقته عسرا : إذا كلّفته ذلك. قال الزّجّاج : والمعنى : عاملني باليسر ، لا بالعسر. قوله تعالى : (فَانْطَلَقا) يعني : موسى والخضر. قال الماوردي : يحتمل أنّ يوشع تأخّر عنهما ، لأنّ الإخبار عن اثنين ، ويحتمل أن يكون معهما ولم يذكر لأنه تبع لموسى ، فاقتصر على حكم المتبوع. قوله تعالى : (حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً) اختلفوا في هذا الغلام هل كان بالغا ، أم لا؟ على قولين : أحدهما : أنه لم يكن بالغا ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والأكثرون. والثاني : أنه كان شابّا قد قبض على لحيته ، حكاه الماوردي عن ابن عباس أيضا ، واحتجّ بأنّ غير البالغ لم يجر عليه قلم ، فلا يستحقّ القتل. وقد يسمّى الرّجل غلاما ، قالت ليلى الأخيليّة تمدح الحجّاج :
شفاها من الدّاء العضال الذي بها (٢)
وفي صفة قتله له ثلاثة أقوال : أحدها : أنه اقتلع رأسه ، وقد ذكرناه في حديث أبيّ. والثاني : كسر عنقه ، قاله ابن باس. والثالث : أضجعه وذبحه بالسّكين ، قاله سعيد بن جبير.
قوله تعالى : «أقتلت نفسا زاكية» قرأ الكوفيون ، وابن عامر : «زكيّة» بغير ألف ، والياء مشدّدة. وقرأ الباقون بالألف من غير تشديد. قال الكسائيّ : هما لغتان بمعنى واحد ، وهما بمنزلة القاسية ، والقسيّة. وللمفسّرين فيها ستة أقوال : أحدها : أنها التّائبة ، روي عن ابن عباس أنه قال : الزّكيّة : التّائبة ، وبه قال الضّحّاك. والثاني : أنها المسلمة ، روي عن ابن عباس أيضا. والثالث : أنها الزّكيّة التي لم تبلغ الخطايا ، قاله سعيد بن جبير. والرابع : أنها الزّكيّة النّامية ، قاله قتادة. وقال ابن الأنباري : القويمة في تزكيتها. والخامس : أنّ الزّكيّة : المطهّرة ، قاله أبو عبيدة. والسادس : أنّ الزكيّة : البريئة التي لم يظهر ما
____________________________________
(٩٣٩) هو بعض الحديث المتقدم برقم ٩٣٥.
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله ٨ / ٢٥٨ : والصواب من القول أن يقال : أن موسى سأل صاحبه أن لا يؤاخذه بما نسي فيه عهده من سؤاله إياه على وجه ما فعل وسببه لا بما سأله عنه وهو لعهده ذاكر للصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(٢) هو صدر بيت وعجزه : غلام إذا هزّ القناة سقاها. كما في «الأغاني» ١١ / ٢٤٨ و «البحر المحيط» ٦ / ١٤١.