مقاتل. والثاني : الرّقّة والحنوّ على من يستحقّه ، ذكره ابن الأنباري. والثالث : النّعمة ، قاله أبو سليمان الدّمشقي. قوله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا) أي : من عندنا (عِلْماً) قال ابن عباس : أعطاه علما من علم الغيب.
(قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩))
قوله تعالى : (أَنْ تُعَلِّمَنِ) قرأ ابن كثير : «تعلمني مما» بإثبات الياء في الوصل والوقف. وقرأ نافع ، وأبو عمرو بياء في الوصل. وقرأ ابن عامر ، وعاصم بحذف الياء في الحالين. قوله تعالى : (مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائيّ : «رشدا» بضمّ الراء ، وإسكان الشين خفيفة. وقرأ أبو عمرو : «رشدا» بفتح الراء والشين. وعن ابن عامر بضمّهما. والرّشد ، والرّشد : لغتان ، كالبخل والبخل ، والعجم والعجم ، والعرب والعرب ، والمعنى : أن تعلّمني علما ذا رشد. وهذه القصّة قد حرّضت على الرّحلة في طلب العلم ، واتّباع المفضول للفاضل طلبا للفضل ، وحثّت على الأدب والتّواضع للمصحوب.
قوله تعالى : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) قال ابن عباس : لن تصبر على صنعي ، لأني علمت من غيب علم ربّي. وفي هذا الصّبر وجهان : أحدهما : عن الإنكار. والثاني : عن السّؤال.
قوله تعالى : (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) الخبر : علمك بالشيء ؛ والمعنى : كيف تصبر على أمر ظاهره منكر ، وأنت لا تعلم باطنه؟! قوله تعالى : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) قال ابن الأنباري : نفي العصيان منسوق على الصّبر. والمعنى : ستجدني صابرا ولا أعصي إن شاء الله.
(قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧) قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨))
قوله تعالى : (فَلا تَسْئَلْنِي) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائيّ : «فلا تسألني» ساكنة اللام. وقرأ نافع : «تسألنّي» مفتوحة اللام مشدّدة النون. وقرأ ابن عامر في رواية الدّاجوني : «فلا تسألنّ عن شيء» بتحريك اللام من غير ياء ، والنون مكسورة. والمعنى : لا تسألني عن شيء ممّا أفعله (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) أي : حتى أكون أنا الذي أبيّنه لك ، لأنّ علمه قد غاب عنك.