يوجب قتلها ، قاله الزّجّاج. وقد فرّق بعضهم بين الزّاكية ، والزّكيّة ، فروي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال : الزّاكية : التي لم تذنب قطّ ، والزّكيّة : التي أذنبت ثم تابت. وروي عن أبي عبيدة أنه قال : الزّاكيّة في البدن ، والزّكيّة في الدّين.
قوله تعالى : (بِغَيْرِ نَفْسٍ) أي : بغير قتل نفس (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ : نكرا خفيفة في كلّ القرآن ، إلّا قوله : (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) (١) وخفّف ابن كثير أيضا «إلى شيء نكر». وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : «نكرا» و «إلى شيء نكر». مثقّل. والمخفّف إنما هو من المثقّل ، كالعنق ، والعنق ، والنّكر ، والنكر. قال الزّجّاج : والمعنى : لقد أتيت شيئا نكرا. ويجوز أن يكون معناه : جئت بشيء نكر ، فلمّا حذف الباء ، أفضى الفعل فنصب نكرا ، ونكرا أقلّ منكرا من قوله : «إمرا» لأنّ تغريق من في السفينة كان عنده أنكر من قتل نفس واحدة.
قوله تعالى : (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ). إن قيل : لم ذكر (لَكَ) ها هنا ، واختزله من الموضع الذي قبله؟
فالجواب : أنّ إثباته للتّوكيد ، واختزاله له لوضوح المعنى ، وكلاهما معروف عند الفصحاء. تقول العرب : قد قلت لك : اتّق الله. وقد قلت لك : يا فلان اتّق الله ، وأنشد ثعلب :
قد كنت حذّرتك آل المصطلق |
|
وقلت : يا هذا أطعني وانطلق |
فقوله : يا هذا ، توكيد لا يختلّ الكلام بسقوطه. وسمعت الشيخ أبا محمّد الخشّاب يقول : وقّره في الأول ، فلم يواجهه بكاف الخطاب ، فلمّا خالف في الثاني ، واجهه بها.
قوله تعالى : (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ) أي : سؤال توبيخ وإنكار (بَعْدَها) أي : بعد هذه المسألة (فَلا تُصاحِبْنِي) وقرأ كذلك معاذ القارئ ، وأبو نهيك ، وأبو المتوكّل ، والأعرج ، إلا أنهم شدّدوا النون. قال الزّجّاج : ومعناه : إن طلبت صحبتك فلا تتابعني على ذلك. وقرأ أبيّ بن كعب ، وابن أبي عبلة ، ويعقوب : «فلا تصحبني» بفتح التاء من غير ألف. وقرأ ابن مسعود ، وأبو العالية ، والأعمش كذلك ، إلا أنهم شدّدوا النون. وقرأ أبو رجاء ، وأبو عثمان النّهدي ، والنّخعيّ ، والجحدريّ : «تصحبني» بضمّ التاء ، وكسر الحاء ، وسكون الصاد والباء. قال الزّجّاج : فيهما وجهان : أحدهما : لا تتابعني في شيء ألتمسه منك. يقال : قد أصحب المهر : إذا انقاد. والثاني : لا تصحبني علما من علمك. (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : (مِنْ لَدُنِّي) مثقل. وقرأ نافع : «من لدني» بضمّ الدال مع تخفيف النون. وروى أبو بكر عن عاصم : «من لدني» بفتح اللام مع تسكين الدال. وفي رواية أخرى عن عاصم : «لدني» بضمّ اللام وتسكين الدال. قال الزّجّاج : وأجودها تشديد النون ، لأنّ أصل «لدن» الإسكان ، فإذا أضفتها إلى نفسك زدت نونا ، ليسلم سكون النون الأولى ، تقول : من لدن زيد ، فتسكّن النون ثم تضيف إلى نفسك ، فتقول : من لدنّي ، كما تقول : عن زيد وعنّي. فأمّا إسكان دال «لدني» فإنهم أسكنوها ، كما تقول في عضد : عضد ، فيحذفون الضمّ. قال ابن عباس : يريد : إنك قد أعذرت فيما بيني وبينك ، يعني : أنك قد أخبرتني أني لا أستطيع معك صبرا.
قوله تعالى : (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) فيها ثلاثة أقوال : أحدها : أنها أنطاكيّة ، قاله ابن
__________________
(١) سورة القمر : ٦.