الكلام ثلاثة أقوال : أحدها : فاتّخذ سبيله في البحر يري عجبا ، ويحدث عجبا. والثاني : أنه لمّا قال الله تعالى : (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ) ، قال : اعجبوا لذلك عجبا ، وتنبّهوا لهذه الآية. والثالث : أنّ إخبار الله تعالى انقطع عند قوله : «في البحر» فقال موسى : عجبا ، لما شوهد من الحوت. ذكر هذه الأقوال ابن الأنباري. والثاني : أنّ المخبر عن الحوت يوشع ، وصف لموسى ما فعل الحوت. والقول الثاني : أنّ المتّخذ موسى ، اتّخذ سبيل الحوت في البحر عجبا ، فدخل في المكان الذي مرّ فيه الحوت ، فرأى الخضر. وروى عطيّة عن ابن عباس قال : رجع موسى إلى الصخرة فوجد الحوت ، فجعل الحوت يضرب في البحر ، ويتبعه موسى ، حتى انتهى به إلى جزيرة من جزائر البحر ، فلقي الخضر.
قوله تعالى : (قالَ) يعني : موسى (ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) أي : ذلك الذي نطلب من العلامة الدّالّة على مطلوبنا. قرأ ابن كثير ؛ «نبغي» بياء في الوصل والوقف. وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، والكسائيّ ، بياء في الوقف. وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، بحذف الياء في الحالين.
قوله تعالى : (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما) قال الزّجّاج : أي : رجعا في الطريق الذي سلكاه ، يقصّان الأثر. والقصص : اتّباع الأثر. قوله تعالى : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا) يعني : الخضر.
وفي اسمه أربعة أقوال : أحدها : اليسع ، قاله وهب ، ومقاتل. والثاني : الخضر بن عاميا. والثالث : أرميا بن حلقيا ، ذكرهما ابن المنادي. والرابع : يلياء بن ملكان ، ذكره عليّ بن أحمد النّيسابوري. فأمّا تسميته بالخضر ، ففيه قولان :
(٩٣٧) أحدهما : أنه جلس في فروة بيضاء فاخضرّت ، رواه أبو هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. والفروة : الأرض اليابسة.
والثاني : أنه كان إذا جلس اخضرّ ما حوله ، قاله عكرمة. وقال مجاهد : كان إذا صلّى اخضرّ ما حوله. وهل كان الخضر نبيّا ، أم لا؟ فيه قولان : ذكرهما أبو بكر بن الأنباري ، وقال : كثير من الناس يذهب إلى أنه كان نبيّا ، وبعضهم يقول : كان عبدا صالحا. واختلف العلماء هل هو باق إلى يومنا هذا ، على قولين حكاهما الماوردي ، وكان الحسن يذهب إلى أنه مات ، وكذلك كان ابن المنادي من أصحابنا يقول ، ويقبّح قول من يرى بقاءه ، ويقول : لا يثبت حديث في بقائه. وروى أبو بكر النّقّاش أنّ محمّد بن إسماعيل البخاري سئل عن الخضر وإلياس : هل هما في الأحياء؟ فقال : كيف يكون ذلك. وقد قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم :
(٩٣٨) «لا يبقى على رأس مائة سنة ممّن هو اليوم على ظهر الأرض أحد»؟!
قوله تعالى : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) في هذه الرّحمة ثلاثة أقوال : أحدها : أنها النبوّة ، قاله
____________________________________
(٩٣٧) صحيح. أخرجه البخاري ٣٤٠٢ من طريق ابن المبارك عن معمر به. وأخرجه الترمذي ٣١٥١ وأحمد ٢ / ٣١٢ و ٣١٨ وابن حبان ٦٢٢٢ من طرق عن عبد الرزاق به ، كلهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنما سمي الخضر أنه جلس على فروة بيضاء ، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء».
(٩٣٨) صحيح. أخرجه البخاري ١١٦ و ٥٦٤ و ٦٠١ ومسلم ٢٥٣٧ وأحمد ٢ / ٨٨ وأبو داود ٤٣٤٨ والترمذي ٢٢٥١ وابن حبان ٢٩٨٩ من حديث ابن عمر قال : صلى بنا النبي صلىاللهعليهوسلم العشاء في آخر حياته ، فلما سلّم قام : فقال : «أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممّن هو على ظهر الأرض أحد».