لا تتفكّرون فيه فتعلمون صدقي في نبوّتي ، وأنّ ما جئت به من الأخبار عن قصص الماضين لم أعلمه إلّا بوحي من الله تعالى. ويدلّ على هذا المعنى قوله تعالى : (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى) يعني الملائكة (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) في شأن آدم حين قال الله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (١) والمعنى : إنّي ما علمت هذا إلّا بوحي ، (إِنْ يُوحى إِلَيَ) أي : ما يوحى إليّ (إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ) أي : إلّا أنّي نبيّ أنذركم وأبيّن لكم ما تأتونه وتجتنبونه. (إِذْ قالَ رَبُّكَ) هذا متّصل بقوله : «يختصمون» وإنما اعترضت تلك الآية بينهما. قال ابن عباس : اختصموا حين شووروا في خلق آدم ، فقال الله تعالى لهم : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ، وهذه الخصومة منهم إنّما كانت مناظرة بينهم. وفي مناظرتهم قولان : أحدهما : أنه قولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) (٢) ، قاله ابن عباس ، ومقاتل. والثاني : أنهم قالوا : لن يخلق الله خلقا إلّا كنّا أكرم منه وأعلم ، قاله الحسن ؛ هذا قول أكثر المفسّرين.
(١٢٢٢) وقد روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «رأيت ربّي عزوجل ، فقال لي : فيم يختصم الملأ
____________________________________
(١٢٢٢) صحيح بمجموع طرقه وشواهده. رجاله ثقات معروفون ، لكن عبد الرحمن بن عائش مختلف في صحبته ، والراجح أنه تابعي ، وقد نفى البخاري صحبته ويدل عليه كونه رواه بواسطة عن معاذ كما سيأتي ، فالإسناد ضعيف لإرساله ، لكن ورد موصولا ، وله شواهد. أخرجه الدارمي ٢ / ١٢٦ وابن خزيمة في «التوحيد» ٢١٥ ـ ٢١٦ والحاكم ١ / ٥٢٠ ـ ٥٢١ والآجري في «الشريعة» ١٠٥٥ من طرق عن عبد الرحمن بن زيد بن جابر به.
وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي. وأخرجه أحمد ٤ / ٦٦ من هذا الوجه عن عبد الرحمن بن عائش عن بعض أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم. وذكره الهيثمي في «المجمع» ٧ / ١٧٦ ـ ١٧٧ وقال : رجاله ثقات اه. وجهالة الصحابي لا تضر. وأخرجه الترمذي ٣٢٣٥ والحاكم ١ / ٢١ من حديث عبد الرحمن بن عائش عن مالك بن يخامر عن معاذ مرفوعا. قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وسألت البخاري عن هذا الحديث فقال : حسن صحيح. وورد من حديث ابن عباس. وأخرجه ابن خزيمة ص ٢١٧ والآجري في «الشريعة» ١٠٥٤ من طريق أيوب عن أبي قلابة عن خالد بن الجلاح عن ابن عباس ، ورجاله ثقات. وورد من حديث ثوبان أخرجه البزّار ٢١٢٩ وفيه أبو يحيى الراوي عن أبي أسماء الرحبي لا يعرف قال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ١٧٨ وأخرجه البزار من وجه آخر عن ابن عمرو ، وفيه سعيد بن سنان واه. وورد من حديث أبي أمامة أخرجه الطبراني كما في «المجمع» ٧ / ١٧٨ وفيه ليث بن أبي سليم غير قوي. وللحديث شواهد أخرى ، وإن كانت ضعيفة ، إلا أنها تتقوى بمجموعها ، والله أعلم. الخلاصة : هو حديث حسن صحيح كما قال البخاري ، والله أعلم.
واللفظ عند الترمذي ، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي ، عن مالك بن يخامر السككي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : احتبس عنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس ، فخرج سريعا فثوّب بالصلاة ، فصلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتجوّز في صلاته فلما سلّم دعا بصوته قال لنا على مصافّكم كما أنتم ثم انفتل إلينا ثم قال : «أما إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة : إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدّر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت ، فإذا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة ، فقال : يا محمد ، قلت : لبيك رب ، قال : فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت : لا أدري ، قالها ثلاثا ، قال فرأيته وضع كفه بين كتفيّ حتى وجدت برد أنامله بين ثديي ، فتجلّى لي كل شيء وعرفت ، فقال : يا محمد ، قلت : لبيك ربي ، قال : فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت : في الكفّارات ، قال : ما هنّ؟ قلت : مشي الأقدام إلى الحسنات ، والجلوس في المساجد بعد الصلوات ، وإسباغ الوضوء حين الكريهات ، قال : فيم ، قلت : إطعام الطعام ، ولين الكلام ، والصلاة بالليل والناس نيام قال : سل ، قال : اللهم إني أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب ـ
__________________
(١) البقرة : ٣٠.
(٢) البقرة : ٣٠.