ف (قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا) إن قلنا : إن هذا قول الأتباع للرؤساء فالمعنى : أنتم زينتم لنا الكفر ، وإن قلنا : إنه قول الأمّة المتأخّرة للأمّة المتقدّمة ، فالمعنى : أنتم شرّعتم لنا الكفر وبدأتم به قبلنا ، فدخلتم النّار قبلنا (فَبِئْسَ الْقَرارُ) أي : بئس المستقرّ والمنزل. (قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا) أي : من سنّه وشرّعه (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) وقد شرحناه في الأعراف (١). وفي القائلين لهذا قولان : أحدهما : أنه قول جميع أهل النّار ، قاله ابن السّائب. والثاني : قول الأتباع. قاله مقاتل.
قوله تعالى : (وَقالُوا) يعني أهل النّار (ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ) قال المفسّرون : إذا دخلوا النّار ، نظروا فلم يروا من كان يخالفهم من المؤمنين ، فيقولون ذلك. قال مجاهد : يقول أبو جهل في النّار : أين صهيب ، أين عمّار ، أين خبّاب ، أين بلال؟! قوله تعالى : (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ : «من الأشرار اتّخذناهم» بالوصل على الخبر ، أي : إنّا اتّخذناهم ، وهؤلاء يبتدئون بكسر الهمزة. وقرأ الباقون بقطع الألف وفتحها على معنى الاستفهام ، وهؤلاء يبتدئون بفتح الهمزة. وقال الفرّاء : وهذا استفهام بمعنى التعجّب والتّوبيخ ، والمعنى أنهم يوبّخون أنفسهم على ما صنعوا بالمؤمنين. و «سخريّا» يقرأ بضمّ السين وكسرها. وقد شرحناها في آخر سورة المؤمنون (٢) (أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) أي : وهم معنا في النّار ولا نراهم؟! وقال أبو عبيدة : «أم» ها هنا بمعنى «بل».
قوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌ) قال الزّجّاج : أي : إنّ الذي وصفناه عنهم لحقّ ، ثم بيّن ما هو ، فقال : هو (تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو الشّعثاء ، وأبو عمران ، وابن أبي عبلة : «تخاصم» برفع الصاد وفتح الميم ، وكسر اللام من «أهل». وقرأ أبو مجلز ، وأبو العالية ، وأبو المتوكّل ، وابن السّميفع : «تخاصم أهل» بفتح الصاد والميم ورفع اللام.
(قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (٦٨) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠) إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٧٨) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨))
قوله تعالى : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) النّبأ : الخبر. وفي المشار إليه قولان : أحدهما : أنه القرآن ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والجمهور. والثاني : أنه البعث بعد الموت ، قاله قتادة. (أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) أي :
__________________
(١) الأعراف : ٣٨.
(٢) المؤمنون : ١١٠.