التّزويج عليهنّ؟ فيه قولان سيأتي ذكرهما إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) أي : بمعصية ظاهرة. قال ابن عباس : يعني النّشوز وسوء الخلق (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) أي : يجعل عذاب جرمها في الآخرة كعذاب جرمين ، كما أنها تؤتى أجرها على الطاعة مرّتين. وإنما ضوعف عقابهنّ ، لأنهنّ يشاهدن من الزّواجر الرّادعة ما لا يشاهد غيرهنّ ، فإذا لم يمتنعن استحققن تضعيف العذاب ، ولأنّ في معصيتهنّ أذى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ وجرم من آذى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أكبر من جرم غيره.
قوله تعالى : (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) أي : وكان عذابها على الله عزوجل هيّنا. (وَمَنْ يَقْنُتْ) أي : تطع ، و (أَعْتَدْنا) قد سبق بيانه (١) ، والرّزق الكريم : الحسن ، وهو الجنّة.
ثمّ أظهر فضيلتهنّ على النساء بقوله تعالى : (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) قال الزّجّاج : لم يقل : كواحدة من النساء ، لأنّ «أحدا» نفي عامّ للمذكّر والمؤنّث والواحد والجماعة. قال ابن عباس : يريد : ليس قدركنّ عندي مثل قدر غيركنّ من النساء الصّالحات ، أنتنّ أكرم عليّ ، وثوابكنّ أعظم (إِنِ اتَّقَيْتُنَ) ، فشرط عليهنّ التقوى بيانا أنّ فضيلتهنّ إنّما تكون بالتّقوى ، لا بنفس اتصالهنّ برسول الله صلىاللهعليهوسلم. قوله تعالى : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) أي : لا تلنّ بالكلام (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) أي : فجور ؛ والمعنى : لا تقلن قولا يجد به منافق أو فاجر سبيلا إلى موافقتكنّ له ، والمرأة مندوبة إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في المقالة ، لأنّ ذلك أبعد من الطّمع في الرّيبة. (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) أي : صحيحا عفيفا لا يطمع فاجرا. (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) قرأ نافع ، وعاصم إلّا أبان ، وهبيرة ، والوليد بن مسلم عن ابن عامر : «وقرن» بفتح القاف ؛ وقرأ الباقون بكسرها. قال الفرّاء : من قرأ بالفتح ، فهو من قررت في المكان ، فخفّفت ، كما قال : (ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) (٢) ، ومن قرأ بالكسر ، فمن الوقار ، يقال : قرّ في منزلك. وقال ابن قتيبة : من قرأ بالكسر ، فهو من الوقار ، يقال : وقر في منزله يقر وقورا. ومن قرأ بنصب القاف جعله من القرار. وقرأ أبيّ بن كعب ، وأبو المتوكّل : «واقررن» بإسكان القاف وبراءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة. وقرأ ابن مسعود ، وابن أبي عبلة مثله ، إلّا أنهما كسرا الراء الأولى.
قال المفسّرون : ومعنى الآية : الأمر لهنّ بالتّوقّر والسّكون في بيوتهنّ وأن لا يخرجن.
قوله تعالى : (وَلا تَبَرَّجْنَ) قال أبو عبيدة : التبرّج : أن يبرزن محاسنهن. وقال الزّجّاج : التبرّج : إظهار الزّينة وما يستدعى به شهوة الرّجل. وفي (الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) أربعة أقوال : أحدها : أنها كانت بين إدريس ونوح ، وكانت ألف سنة ، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني : أنها كانت على عهد إبراهيم عليهالسلام ، وهو قول عائشة رضي الله عنها. والثالث : بين نوح وآدم ، قاله الحكم. والرابع : ما بين عيسى ومحمّد عليهماالسلام ، قاله الشّعبيّ. قال الزّجّاج : وإنما قيل : «الأولى» ، لأنّ كلّ متقدّم أوّل ، وكلّ متقدّمة أولى ، فتأويله : أنهم تقدّموا أمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم.
وفي صفة تبرّج الجاهليّة الأولى ستة أقوال : أحدها : أنّ المرأة كانت تخرج فتمشي بين الرجال ، فهو التّبرّج ، قاله مجاهد. والثاني : أنها مشية فيها تكسّر وتغنّج ، قاله قتادة. والثالث : أنه التّبختر ، قاله
__________________
(١) النساء : ٣٧.
(٢) طه : ٩٧.