النّفقة ، وآذينه بغيرة بعضهنّ على بعض ، فآلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم شهرا ، وصعد إلى غرفة له فمكث فيها ، فنزلت هذه الآية ،
(١١٣٣) وكنّ أزواجه يومئذ تسعا : عائشة ، وحفصة ، وأمّ حبيبة ، وسودة ، وأمّ سلمة ، وصفيّة الخيبريّة ، وميمونة الهلاليّة ؛ وزينب بنت جحش ، وجويرية بنت الحارث ،
(١١٣٤) فنزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعرض الآية عليهنّ ، فبدأ بعائشة ، فاختارت الله ورسوله ، ثم قالت : يا رسول الله لا تخبر أزواجك أنّي اخترتك ؛ فقال ؛ «إنّ الله بعثني مبلّغا ولم يبعثني متعنّتا». وقد ذكرت حديث التّخيير في كتاب «الحدائق» وفي «المغني» بطوله.
وفي ما خيّرهنّ فيه قولان (١) : أحدهما : أنه خيّرهنّ بين الطّلاق والمقام معه ، هذا قول عائشة رضي الله عنها. والثاني : أنه خيّرهنّ بين اختيار الدنيا فيفارقهنّ ، أو اختيار الآخرة فيمسكهنّ ، ولم يخيرهنّ في الطّلاق ، قاله الحسن ، وقتادة.
وفي سبب تخييره إيّاهنّ ثلاثة أقوال. أحدها : أنهنّ سألنه زيادة النّفقة. والثاني : أنّهنّ آذينه بالغيرة. والقولان مشهوران في التفسير. والثالث : أنه لمّا خيّر بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فاختار الآخرة ، أمر بتخيير نسائه ليكنّ على مثل حاله ، حكاه أبو القاسم الصّيمري.
والمراد بقوله تعالى : (أُمَتِّعْكُنَ) : متعة الطلاق. والمراد بالسّراح : الطّلاق ، وقد ذكرنا ذلك في البقرة (٢). والمراد بالدّار الآخرة. الجنّة. والمحسنات : المؤثرات للآخرة.
قال المفسّرون : فلمّا اخترنه أثابهنّ الله عزوجل ثلاثة أشياء : أحدها : التّفضيل على سائر النساء بقوله تعالى : (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ). والثاني : أن جعلهنّ أمّهات المؤمنين. والثالث : أن حظر عليه طلاقهنّ والاستبدال بهنّ بقوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) (٣). وهل أبيح له بعد ذلك
____________________________________
من طرق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس عن عمر بنحوه.
(١١٣٣) أخرجه الطبري ٨٤٦١ عن قتادة مرسلا ، وله شواهد.
(١١٣٤) صحيح. أخرجه مسلم ١٤٧٨ وأحمد ٣ / ٣٢٨ وأبو يعلى ٢٢٥٣ والبيهقي ٧ / ٣٨ من حديث جابر مطولا.
__________________
(١) قال الحافظ في «الفتح» ٨ / ٥٢١ : قال الماوردي : اختلف هل كان التخيير بين الدنيا والآخرة ، أو بين الطلاق والإقامة عنده؟ على قولين للعلماء أشبههما بقول الشافعي الثاني ، ثم قال : إنه الصحيح ، وكذا قال القرطبي : اختلف في التخيير. قال الحافظ : والذي يظهر الجمع بين القولين ، لأن أحد الأمرين ملزوم الآخر ، وكأنهنّ خيرن بين الدنيا فيطلقهنّ ، وبين الآخرة فيمسكهن ، وهو مقتضى سياق الآية.
ـ وقال القرطبي رحمهالله في «التفسير» ١٢ / ١٧٠ : اختلف العلماء في كيفية تخيير النبي صلىاللهعليهوسلم أزواجه على قولين : الأول : أنه خيرهن في البقاء على الزوجية أو الطلاق ، قالته عائشة ومجاهد وعكرمة والشعبي والزهري وربيعة. والثاني : أنه خيرهن بين الدنيا والآخرة ، ذكره الحسن وقتادة ، ومن الصحابة علي. والأول أصح لقول عائشة لما سئلت عن الرجل يخير امرأته ، فقالت : قد خيّرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أفكان طلاقا. ولم يثبت عن النبي صلىاللهعليهوسلم إلا التخيير المأمور بين البقاء والطلاق اه ملخصا.
ـ والذي ذهب إليه القرطبي هو الصواب إن شاء الله تعالى ، وحديث عائشة أخرجه البخاري ٥٢٦٢ و ٥٢٦٣ ومسلم ١٤٧٧ ح ٢٥ و ٢٦.
(٢) البقرة : ٢٣١.
(٣) الأحزاب : ٥٢.