عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، واختاره الفرّاء. والثاني : أنّ القانع ، المتعفّف ، والمعترّ : السّائل ، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، والنّخعيّ. وعن الحسن كالقولين. والثالث : أنّ القانع : المستغني بما أعطيته وهو في بيته ؛ والمعترّ : الذي يتعرّض لك ويلمّ بك ولا يسأل ، رواه العوفيّ عن ابن عباس. وقال مجاهد : القانع : جارك الذي يقنع بما أعطيته ، والمعترّ : الذي يتعرّض ولا يسأل ، وهذا مذهب القرظيّ. فعلى هذا يكون معنى القانع : أن يقنع بما أعطي. ومن قال : هو المتعفّف ، قال : هو القانع بما عنده. والرابع : القانع : أهل مكّة ، والمعترّ : الذي يعترّ بهم من غير أهل مكّة ، رواه خصيف عن مجاهد. والخامس : القانع : الجار وإن كان غنيّا ، والمعترّ الذي يعترّ بك ، رواه ليث عن مجاهد. والسادس : القانع : المسكين السّائل ، والمعترّ : الصّديق الزّائر ، قاله زيد بن أسلم. قال ابن قتيبة : يقال : قنع يقنع قنوعا : إذا سأل ، وقنع يقنع قناعة : إذا رضي ، ويقال في المعترّ : اعترّني واعتراني وعراني. وقال الزّجّاج : مذهب أهل اللغة أنّ القانع : السّائل ، يقال : قنع يقنع قنوعا : إذا سأل ، فهو قانع ، قال الشّمّاخ.
لمال المرء يصلحه فيغني |
|
مفاقره أعفّ من القنوع (١) |
أي : من السّؤال ؛ ويقال : قنع قناعة : إذا رضي ، فهو قنع ، والمعترّ والمعتري واحد.
قوله تعالى : (كَذلِكَ) أي : مثل ما وصفنا من نحرها قائمة (سَخَّرْناها لَكُمْ) نعمة منّا عليكم لتتمكّنوا من نحرها على الوجه المسنون (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي : لكي تشكروا.
قوله تعالى : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها) وقرأ عاصم الجحدريّ ، وابن يعمر ، وابن أبي عبلة ، ويعقوب : «لن تنال الله لحومها» بالتاء «ولكن تناله التقوى» بالتاء أيضا. سبب نزولها أنّ المشركين كانوا إذا ذبحوا استقبلوا الكعبة بالدّماء ينضحون بها نحو الكعبة ، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح عن ابن عباس (٢). قال المفسّرون : ومعنى الآية : لن ترفع إلى الله لحومها ولا دماؤها ، وإنما يرفع إليه التّقوى ؛ وهو ما أريد به وجهه منكم ، فمن قرأ «تناله» بالتاء فإنه أنّث للفظ التقوى ومن قرأ «يناله» بالياء ، فلأنّ التقوى والتّقى واحد. والإشارة بهذه الآية إلى أنه لا يقبل اللحوم والدّماء إذا لم تكن صادرة عن تقوى الله ، وإنما يتقبّل ما يتّقونه به ، وهذا تنبيه على امتناع قبول الأعمال إذا عريت عن نيّة صحيحة.
قوله تعالى : (كَذلِكَ سَخَّرَها) قد سبق تفسيره (لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) أي : على ما بيّن لكم وأرشدكم إلى معالم دينه ومناسك حجّه ، فذلك أن تقول : الله أكبر على ما هدانا ، (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) قال ابن عباس : يعني : الموحّدين.
(إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ
__________________
معترا بك لتعطيه وتطعمه. ووافقه ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ٢٨٠.
(١) في «اللسان» مفاقره : أي وجوه فقره ، ويقال : سد الله مفاقره أي أغناه وسدّ وجوه فقره.
(٢) عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس ، ورواية أبي صالح الكلبيّ ، وهو كذاب.
وأخرجه ابن المنذر وابن مردويه كما في «الدر» ٤ / ٦٥٤ عن ابن عباس من طريق الكلبي عن أبي صالح.