على ذلك. ومن قرأ : «صوافن» فالصّافن : التي تقوم على ثلاث ، والبعير إذا أرادوا نحره ، تعقل إحدى يديه ، فهو الصّافن ، والجميع : صوافن. هذا ومن قرأ : «صوافي» بالياء وبالفتح بغير تنوين ، فتفسيره : خوالص ، أي : خالصة لله لا تشركوا به في التّسمية على نحرها أحدا. (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) أي : إذا سقطت إلى الأرض ، يقال : وجب الحائط وجبة ، إذا سقط. ووجب القلب وجيبا : إذا تحرّك من فزع. واعلم أنّ نحرها قياما سنّة ، والمراد بوقوعها على جنوبها : موتها ، والأمر بالأكل منها أمر إباحة ، وهذا في الأضاحي.
قوله تعالى : (وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) وقرأ الحسن : «والمعتر» بكسر الراء خفيفة. وفيهما ستة أقوال (١) : أحدها : أنّ القانع : الذي يسأل ، والمعترّ السّائل الذي يتعرّض ولا يسأل ، رواه بكر بن عبد الله
____________________________________
قال : رأيت ابن عمر أتى على رجل أناخ بدنته لينحرها ، فقال : ابعثها قياما مقيّدة ، سنة محمد صلىاللهعليهوسلم. متفق عليه.
وفي قوله تعالى : (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) دليل على أنها تنحر قائمة. وتجزئه كيفما نحر. قال أحمد : ينحر البدن معقولة على ثلاث توائم ، وإن خشي عليها أن تنفر أناخها. وقال النووي رحمهالله في «شرح مسلم» ٩ / ٦٩ : يستحب نحر الإبل وهي قائمة معقولة اليد اليسرى. وأما البقر والغنم فيستحب أن تذبح مضطجعة على جنبها الأيسر ، وتترك رجلها اليمنى ، وتشد قوائمها الثلاث ، وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد والجمهور ، وقال أبو حنيفة والثوري : يستوي نحرها قائمة وباركة ، وحكى القاضي ـ عياض ـ عن طاوس أن نحرها باركة أفضل ، وهذا مخالف للسنة ، والله أعلم.
(٣) قال الإمام الموفق في «المغني» ١٣ / ٣٨٤ : وإذا مضى من نهار يوم الأضحى مقدار صلاة العيد وخطبته ، فقد حل الذبح ، ولا يعتبر نفس الصلاة ، ولا فرق في هذا بين أهل المصر وغيرهم. وهذا مذهب الشافعي ، وابن المنذر ، وظاهر كلام أحمد ، وروي نحو هذا عن الحسن وقال أبو حنيفة : أما غير أهل الأمصار فأول وقتها في حقهم إذا طلع الفجر الثاني. ولنا لما روى البراء ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن أول نسكنا في يومنا هذا الصلاة ، ثم الذبح ، فمن ذبح قبل الصلاة ، فتلك شاة لحم قدمها لأهله ، ليس من النسك في شيء». ولنا آخر الذبح إلى آخر يومين من أيام التشريق نهارا. لأن النبي صلىاللهعليهوسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث. ولا يجوز الذبح في وقت لا يجوز ادخار الأضحية إليه. ولأن اليوم الرابع لا يجب الرمي فيه ، فلم تجز التضحية فيه ، كالذي بعده. وممن قال بهذا القول من الصحابة ـ عمر ، وعلي ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وأنس وهو قول مالك والثوري وأبي حنيفة. وروي عن علي ، آخره آخر أيام التشريق. وهو مذهب الشافعي ، وقول عطاء ، والحسن ، لأنه روي عن جبير بن مطعم ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أيام منى كلها منحر». ولأنها أيام تكبير وإفطار ، فكانت محلا للنحر كالأولين. ويجوز الذبح ليلا. وهو قول أصحابنا المتأخرين ، وقول الشافعي وإسحاق ، وأبي حنيفة وأصحابه. لأن الليل زمن يصح فيه الرمي ، فأشبه النهار. وفي رواية عن أحمد لا يجوز الذبح في الليل وهو قول مالك ، فعلى هذا إن ذبح ليلا لم يجزئه عن الواجب ، ولم تكن أضحية ، فإن فرقها حصلت القربة بتفريقها ، دون ذبحها.
(فائدة) قال النووي رحمهالله في «شرح مسلم» ١١ / ١٣٤ عقب الحديث عن ثوبان قال : ذبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم أضحيته ثم قال : «يا ثوبان أصلح لحم هذا» فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة : فيه تصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق ثلاث ، وجواز التزود منه ، وفيه أن الادخار والتزود في الأسفار لا يقدح في التوكل ، ولا يخرج صاحبه عن التوكل ، وفيه أن الضحية مشروعة للمسافر كما هي مشروعة للمقيم ، وهذا مذهبنا ، وبه قال جماهير العلماء ، وقال النخعي وأبو حنيفة : لا ضحية على المسافر وروي هذا عن علي ، وقال مالك وجماعة : لا تشرع للمسافر بمنى ومكة.
(١) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ١٥٩ : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال عني بالقانع : السائل ، لأنه من أقنع بيده إذا رفعها للسؤال ، والمعتر من الاعترار وهو الذي يتعرض لأكل اللحم ، فيأتيك