وقال آخر :
يشكو إليّ جملي طول السّرى (١)
وهذا كثير في أشعارهم.
قوله تعالى : (فَأَقامَهُ) أي : سوّاه ، لأنه وجده مائلا. وفي كيفية ما فعل قولان : أحدهما : أنه دفعه بيده فقام. والثاني : هدمه ثم قعد يبنيه ، روي القولان عن ابن عباس.
قوله تعالى : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : «لتخذت» بكسر الخاء ، غير أنّ أبا عمرو كان يدغم الذّال ، وابن كثير يظهرها. وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : «لاتّخذت» وكلّهم أدغموا ، إلا حفصا عن عاصم ، فإنه لم يدغم مثل ابن كثير. قال الزّجّاج : يقال : تخذ يتخذ في معنى : اتّخذ يتّخذ. وإنما قال له هذا ، لأنهم لم يضيّفوهما. قوله تعالى : (قالَ) يعني الخضر (هذا) يعني الإنكار عليّ (فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) أي : هو المفرّق بيننا. قال الزّجّاج : المعنى : هذا فراق بيننا ، أي : فراق اتّصالنا ، وكرّر «بين» توكيدا ، ومثله في الكلام : أخزى الله الكاذب مني ومنك. وقرأ أبو رزين ، وابن السّميفع ، وأبو العالية ، وابن أبي عبلة : «هذا فراق» بالتنوين «بيني وبينك» بنصب النون. قال ابن عباس : كان قول موسى في السفينة والغلام ، لربّه ، وكان قوله في الجدار ، لنفسه لطلب شيء من الدنيا.
(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢))
قوله تعالى : (فَكانَتْ لِمَساكِينَ) في المراد بمسكنتهم قولان : أحدهما : أنهم كانوا ضعفاء في أكسابهم. والثاني : في أبدانهم. وقال كعب : كانت لعشرة إخوة ، خمسة زمنى ، وخمسة يعملون في البحر.
قوله تعالى : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) أي : أجعلها ذات عيب ، يعني بخرقها ، (وَكانَ وَراءَهُمْ) فيه قولان : أحدهما : أمامهم ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، وأبو عبيدة ، وابن قتيبة. وقرأ أبيّ بن كعب ، وابن مسعود : «وكان أمامهم ملك». والثاني : خلفهم ؛ قال الزّجّاج : وهو أجود الوجهين. فيجوز أن يكون رجوعهم في طريقهم كان عليه ، ولم يعلموا بخبره ، فأعلم الله تعالى الخضر خبره. قوله تعالى : (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) أي : كلّ سفينة صالحة. وفي قراءة أبيّ بن كعب : «كلّ سفينة صحيحة» قال الخضر : إنما خرقتها ، لأنّ الملك إذا رآها منخرقة تركها ورقعها أهلها فانتفعوا بها. قوله تعالى : (وَأَمَّا الْغُلامُ) روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ : «وأما الغلام فكان كافرا».
__________________
(١) هو صدر بيت وعجزه : «صبرا جميلا فكلانا مبتلى». وهو في «اللسان» ـ شكا ـ بلا نسبة لأحد.