قال : وكان نزوله على والدي فأكرمه ، وزوّجه ببنت أُخته ، فرُبّيت في حجره ، وغذّاني من علمه ، وبصّرني في ديني. وكان إمام عصره ، وواحد دهره ، وكان الغالب عليه علم القرآن والحديث ، كشف وشرح وميّز الرجال ، وحقّق طريق طالبي الإسناد ، وأبان مراسيل الأحاديث من الآحاد ، وأوضح المفترق من المتّفق ، والمؤتلِف من المختلِف ، والسابق من اللاحق ، والفصل من الوصل ، وفرّق بين رجال الخاصّة والعامّة ..
قلت [يعني : الذهبي] : يعني بالخاصّة : الشـيعة ، وبالعامّة : السُـنّة.
حدّثـني أبـي ، قال : ما زال أصحابـنا بحلب لا يعرفـون الفرق بيـن ابـن بُطّة الشيعي من ابنَ بَطّة الحنبلي (١) ، حتّى قدم الرشيد ، فقال : ابن بَطّة الحنبلي بالفتح ، والشيعي بضمّها.
وكان عند أصحابنا بمنزلة «الخطيب» للعامّة ، وكيحيى بن معين في معرفة الرجال.
وقد عارض من كلّ علم من علوم العامّة بمثله ، وبرز عليهم بأشياء حسنة لم يصلوا إليها ، وكان بهيّ المنظر ، حسن الوجه والشيبة ، صدوق اللهجة ، مليح المحاورة ، واسع العلم ، كثير الفنون ، كثير الخشوع والعبادة والتهجّد ، لا يجلس إلاّ على وضـوء.
تُوفّي ليلة سادس عشرة شعبان سنة ثمان وثمانين ، ودفن بجبل جوشن عند مشهد الحسين [عليه السلام] (٢).
قال الصفدي : أثنى عليه [يعني : ابن شهرآشوب] ابن أبي طيّ في
____________
(١) نقل السيوطي هذا النصّ في كتابه طبقات المفسّرين : ٩٦ ، ط دار الكتب العلمية / بيروت.
(٢) تاريخ الإسلام السنوات ٥٨١ ـ ٥٩٠ / ٣٠٩ ـ ٣١٠ رقم ٣١٥.