بالامتناع عن الاستماع إلى كلامهم ، أو الرفض للحوار معهم ، أو العمل على اضطهادهم ، أو السخرية منهم ، أو إخراجهم من بينهم ، لأنهم يرون فيهم التحدي لواقعهم ، والهزيمة لمفاهيمهم أو لعاداتهم وتقاليدهم الموروثة من الآباء والأجداد ، وقد يموت الأنبياء والمصلحون بعد ذلك ، ولكن الرسالات تبقى وتنفذ إلى الأعماق بطريقة خفيّة من حيث لا يشعر الناس ، لأن الرفض للفكرة يختزن ـ غالبا ـ وعيا عميقا لمفرداتها يؤمّن التفاعل معها بهدوء ، لتتحول إلى قناعات فكرية بعد ذلك ، وهذا ما يمنع الدعاة إلى الله من اليأس عند ما يواجهون الرفض في الطريق ، لأنهم يرصدون أملا جديدا للدعوة في المستقبل عند ما تسقط الأغشية عن عيون الرافضين تحت تأثير ما ينفذ من مفردات الدعوة إلى منطقة اللاشعور فيهم.
وقد يمتد بالكافرين الزمن ، ولكن الله يتدخل لنصرة رسله ، بوسائل العقاب الدنيويّ الذي ينزله عليهم بعد استكمال الحجّة ، ليفسح المجال لجيل جديد ، لا يحمل النفسية المعقّدة التي يحملها الجيل القديم ..
والله في آياته هذه يتحدث مع رسوله محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم عن كل هذا التاريخ ، ليعيش هذه التجربة الطويلة ، وليعرف أن ما يحدث له الآن ، قد حدث للأنبياء من قبله ، وأن الله سينصره ، كما نصرهم ، وأن الرسالة لا بد من أن تستمر حتى تفتح قلوب الناس على الله ، وحياتهم على الحق.
* * *
إن يكذّبوك فقد كذبوا من قبلك
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) يا محمد ، في ما يواجهك به قومك من أساليب الرفض المتنوعة للرسالة ، (فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ* وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ