البصارة في الدماغ. فهذه الكيفية المخصوصة للنور ، ليست بشاملة لحقيقة المعنى الذي قد اخترع له الذهن الإنساني هذه الكلمة ، بل أطلق عليه هذه الكلمة باعتبار الأنوار التي تأتي تحت تجربتنا في هذه الدنيا المادية ، فكل كلمة من كلمات اللسان الإنساني تستعمل لله تبارك وتعالى ، إنما تستعمل باعتبار مفهومها الأساسي ، لا باعتبار مدلولها المادي ، فنحن نستعمل لله تعالى كلمة البصر مثلا ، فليس معناها أن له عضوا يسمى العين ويرى به كالإنسان والحيوان ، وكذلك نستعمل له كلمة السمع ، فليس معناها أنه يسمع بأذنيه كما يسمع الإنسان ، وكذلك نستعمل له كلمة البطش والأخذ ، فليس معناها أن له آلة تعرف باليد فيأخذ الإنسان بيده. فكل هذه الكلمات إنما تستعمل لله تبارك وتعالى على وجه الإطلاق لا بمعنى من المعاني المحدودة ، ولا نكاد نظن أن من يملك العقل يمكن أن يقول باستحالة أن يوجد للسمع والبصر والبطش شكل غير الشكل المحدود المخصوص الذي نعرفه لها في هذه الدنيا ، وعلى هذا ، إذا قيل عن النور إنه لا يوجد المصداق لمعناه إلا في صورة ذلك الشعاع الذي يخرج من جرم لا مع وينعكس على غطاء العين ، فإن هذا القول لا يكون إلا من خطأ الفهم وضيقه. إن كلمة النور لم تطلق على الله سبحانه وتعالى بهذا المعنى الضيّق المحدود ، وإنما أطلقت عليه بمعناها المطلق الواسع غير المحدود ، أي أن الله سبحانه هو وحده «سبب الظهور» في هذا الكون. أمّا الأجرام اللامعة التي يبعث منها النور ، فما نالت نورها ولا هي تنوّر الكون إلا بالنور الذي قد أنعم به عليها الله سبحانه وتعالى ، وإلا فما عندها شيء يمكن أن تنوّر به غيرها.
وكلمة (نُورُ) تستعمل للعلم أيضا ، كما يعبر عن الجهل بالظلمة ، فالله سبحانه وتعالى نور الكون ، بمعنى أنه لا يمكن أن تعرف الحقائق معرفة مباشرة في هذا الكون إلا به ، سبحانه وتعالى ، وإلا فإنه لا يمكن أن يكون فيه شيء