بانتفاء موضوعه .. ومقامنا من هذا القبيل ، فإنه لا مجال للإكراه على تقدير عدم إرادة التحصن ، لأن الإكراه يمثل إجبار الفتيات على الزنى مع رغبتهن في العفة ، فمع عدم رغبتهن في ذلك ، فإن الطلب لا يكون منسجما مع الرغبة .. وربما كان الوجه في هذا التعليق الإيحاء للموالي ، بأن الفتيات إذا أردن التحصن ، فإنهم أولى بإرادته.
(لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) في ما تريدون الحصول عليه من أموال أو مواقع عامة أو خاصة في المراكز الاجتماعية والسياسية ، مما لا يدوم لكم مهما امتد بكم العمر ، لأنكم ستفارقون ذلك عند ما تموتون ، أو قبل أن تموتوا ، ثم تواجهون مسئوليته عند ما تبعثون ، فهو مجرد عرض زائل لا امتداد له ولا ثبات.
(وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سواء في ذلك النساء المكرهات على الزنى ، أو الذين أكرهوهنّ عليه ، لأن الله لم يحمّل الإنسان المكره مسئولية الفعل الذي أكره عليه ، فالفعل الذي يقع في دائرة الحساب ، هو الفعل الذي يتحرك من موقع الوعي والإرادة ، فإذا انتفت الإرادة الحرّة ، انتفى العقاب ، جاء عن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم في الحديث أنه قال : «رفع عن أمتي ... ما استكرهوا عليه ..» (١) ، وكذلك إذا تاب الذين أكرهوهنّ وأصلحوا ، فإن الله يغفر للجميع ، ويشملهم برحمته ، بمعنى أنه لا يعاقبهم ولا يحمّلهم نتائج ذلك الفعل الشنيع.
وإذا كانت الآية قد تناولت الإماء من النساء ، فإن أجواءها تطال المبدأ الذي يشمل الحرائر اللاتي يردن العفّة ، في الوقت الذي تضغط فيه الظروف عليهن كي يخضعن لإرادة بعض الرجال الذين يدفعونهن لبيع أجسادهنّ والاتجار بها للانتفاع بما يكسبنه من مال من وراء ذلك.
__________________
(١) مستدرك الوسائل ، ج : ٦ ، باب : ٢٦ ، ص : ٤٢٣ ، رواية : ٧١٣٦.