وإجماله أن الإسلام يرى دور العقوبة دورا عميقا ينفذ إلى أغوار النفس الإنسانية ، ليواجه انحرافها بما يشبه الصدمة القاسية الرادعة التي لا تعالج المسألة من الخارج في ما تثيره من ضغوط نفسية أو جسدية خفيفة ، بل تعالجها من الداخل بما تخلّفه من آثار عميقة في الجسد والنفس والواقع ، لتحتوي الجريمة في طبيعتها الذاتية والموضوعية على أساس مواجهة ما مضى بأن لا يمر دون عقاب .. ومواجهة ما يحدث في المستقبل ، بالأسلوب الوقائي الذي يمنعه من الحدوث ..
ولم تأت المسألة نتيجة ذهنية قديمة أو حديثة في النظرة إلى وسائل الجريمة ، بل نتيجة الدراسة الواقعية لأفضل وسائل ردع الجريمة من خلال استخدام ما هو أقوى وأكثر فاعليّة في إثارة الخوف في نفس المجرم أولا ، حتى لا يكرر جريمته ، وحتى يشعر بخطورة ما قام به على حياته وسمعته ، وفي نفس من يستعد للقيام بالجريمة ثانيا ، ليحسب حساب النتائج السلبية الصعبة قبل أن يقوم بالجريمة ، بحيث يكون العقاب رادعا له عن القيام بذلك.
وقد استطاعت التجربة الواقعية إثبات صحة هذه النظرة لجهة تقليل نسبة الجريمة في المجتمع الإسلامي ، عن بقية المجتمعات الأخرى ، وذلك عند ما يتاح للحدود الشرعية أن تأخذ طريقها إلى التطبيق الجدّي ، في نطاق ما يمكن إثباته بشكل معقول.
ولعلنا لا نحتاج إلى المزيد من التحليل الموضوعي ، إذا أردنا التأكيد على أنّ النتائج السلبيّة لاستخدام وسائل العقاب القاسية ، قد لا تكون كبيرة إذا ما قيست بالنتائج الإيجابية على مستوى منع الجريمة ، تماما كما هي العملية الجراحية التي يضطر الأطباء لإجرائها لضمان سلامة حياة المريض ..
وإذا درسنا القيود التي وضعها التشريع الإسلامي على وسائل الإثبات ، حتى أنه لم يرخص للشهود أن يقوموا بالشهادة ، أو أن يقبلها القضاة ، إلا إذا