عناصر حركة الإيمان
إنّه النداء الأخير يوجهه الله ـ سبحانه ـ إلى المؤمنين في نهاية هذه السورة ، ليؤكد عناصر حركة الإيمان الثابتة في حياتهم ، وليثير في وعيهم التكريم الإلهيّ لهم في ما أنزله عليهم من رسالة ، وفي ما أراده لهم من دور ، وفي الطبيعة السمحة للمهمّات الموكولة إليهم في خط التشريع ، في ما أمرهم به أو نهاهم عنه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الذين يريد الله لهم أن يعيشوا الإيمان فكرا وممارسة وموقف حياة ، فلا يبقى إيمانهم مجرد خواطر تعيش في العقل ، ومشاعر تتحرك في الإحساس ، وتقاليد تنطلق في الممارسة .. (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) فإن الركوع والسجود يمثلان انحناء الإرادة الإنسانية بما توحي به من انحناء روحي أمام الله حتى الانسحاق ، (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) فإن العبادة هي خط تتمثل فيه الطاعة الإنسانية لله عبر تنفيذ أوامره وترك نواهيه ، ومن ذلك يتجسد سرّ العبودية أمام حقيقة الألوهية حركة في خط المسؤولية ، (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) في كل مجالات الحياة الفردية والاجتماعية ، وفي مختلف النشاطات الإنسانية ، فذلك يفتح قلب الإنسان وروحه على الجانب الحلو من الحياة ، ويمنح الحياة تقدما وعمقا وحيويّة ، ويربط العنصر الإنسانيّ الطيب بحركة الواقع .. (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، لأن طريق الفلاح هو خط الخير المنطلق من عبودية الله والمتحرك في خط المسؤولية في الحياة.
(وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) لأن الله يريد للناس أن يواجهوا التحديات بإرادة صلبة مستعدة لمجابهة كل الصعوبات ، وتحمّل كل آلام الحرمان ، من أجل تحقيق الصورة التي يحبّ الله للحياة أن تكون عليها ويريد للإنسان أن يبرز فيها ، ابتداء من جهاد النفس الذي يقتحم الأعماق ليحطم كل الحواجز التي