إنه مثل يريد الله للإنسان أن يدرك من خلاله سرّ الضعف في الإنسان المتألّه ، أو المؤلّه ، ليعي ـ بعمق المعرفة ـ أن هؤلاء لا يملكون في ذاتهم أيّ شرط من شروط الألوهية ، بل يعيشون ضعف المخلوقين في وجودهم .. ولكن الناس لا يرتفعون إلى الآفاق الفكرية التي تمكّنهم من الإطلالة على عظمة الله من أوسع المجالات ، بل ينكمشون في تصوّراتهم ، ويبتعدون عن وعي الحقائق في عقولهم.
(ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) عند ما يقارنون به غيره ، ويشركون بعبادته ما هو مخلوق له ، أو يقصّرون في طاعته ، أو ينحرفون عن هداه ، ولا يستغرقون في عظمته لتمتلئ قلوبهم بالخشوع له ، بعيدا عن كل من هو دونه ، (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) لا يصل أحد إلى مستوى قوّته ، لأن قوّته مطلقة لا تقف عند حدّ ، وليس لأحد قوّة إلّا به ، فالوجود كله يستمد قوته منه ، وهو المهيمن على الأمر كله ، لا ينتقص أحد من عزته ، وهو العزيز الذي شملت عزته الوجود كله ، لأنه يملكه بكل مواقعه ومظاهره ، مما يجعل كل شيء ذليلا أمامه ، لأنّ العزة لله جميعا ..
* * *
اصطفاء الله رسلا من الملائكة والناس
(اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) يوجّههم في مهمّات يريد أن تتحقق في ساحة الدنيا ، ويحمّلهم وحيه إلى رسله ، (وَمِنَ النَّاسِ) الذين يختارهم ليحملوا رسالاته إلى خلقه ، ويبلغوها إليهم ، من موقع لطفه بعباده ، فهو يريد أن يهديهم إلى طاعته التي بها صلاحهم ، ويبعدهم عن معصيته التي هي سرّ فسادهم (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) يسمع كل ما يقولون ، ويبصر كل ما يعملون ، فلا يغيب عنه من أمرهم شيء ممّا يقومون به في السرّ والعلانية ، لأنه