على الوجه الذي
ذكرناه. وهذه طريقة شيخنا أبي الحسن رحمهالله ، ومنهم من قال : إذا عبرنا عن المعاصي والكفر بأنها حوادث
قلنا إنّ الله تعالى أراد حدوثها ولم نقل أراد الكفر والعصيان وإن قلنا أراد حدوث
هذا الحادث الذي هو كفر أو معصية. كما أن المخلوقات كلها حجج الله سبحانه ودلائله
والليل منها ونقول فيها بلفظ الليل إنّها ليلة مظلمة ولا نقول إنّها حجة مظلمة ولا
نقول في الخشبة المنكسرة إنّها حجة منكسرة وهذا القول اختيارنا]. واختلفت القدرية
في هذه المسألة فزعم النظام والكعبي أن الله تعالى ليست له إرادة على الحقيقة.
وإذا قيل إنّه أراد شيئا من فعله فمعناه أنه فعله وإذا قيل إنّه أراد شيئا من فعل
غيره فمعناه أنه أمر به. وزعم البصريون منهم أنه مريد بإرادة حادثة لا في محمل ،
وقالوا قد يريد ما لا يكون وقد يكره الشيء فيكون [وزعموا أن المعاصي كلها على
كراهة منه] وإنه قد شاء هداية كل الناس ولم يشأ ضلال أحد. وقد أكذبهم الله عزوجل في ذلك بقوله : (وَلَوْ شِئْنا
لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ
جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [فأخبر أنه ما شاء
هداية الكل ولو شاء لآتى كل نفس هداها]. فإن قالوا : إنّ الهدى المذكور في هذه
الآية بمعنى الرجوع إلى الدنيا لأنه معطوف على قوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ
ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا
نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ،) ، ثم قال : (وَلَوْ شِئْنا
لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) ، يعني ما سألت من الرجعة إلى الدنيا .. قيل لهم إنّ
رجوعهم إلى الدنيا لا يكون هدى لهم لإمكان وقوع الضلالة منهم بعد ذلك ألا تراه قال
: (وَلَوْ رُدُّوا
لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) ، فدل هذا على أنّ الهدى المذكور في الآية هداية القلوب
وإنه لم يردها من جميع المكلّفين [وإنما أرادها من بعضهم]. ويدل عليه قوله تعالى :
(لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ
أَنْ يَسْتَقِيمَ وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) . وفي هذا دليل على أن من لم يشأ الاستقامة فإن الله ما شاء
منه أن يشاء الاستقامة. ولأن القدرية البصرية وافقونا على أن الله عزوجل لو أراد من فعل نفسه
__________________