ما يقوم به النّاس من معاص ، وفي ما يقابلهم به من العفو والمغفرة ، لأنّه العفو من موقع العزّة والقدرة ، لا من موقع الذلة والإلجاء كما يفعله النّاس ، مما يجعل من العفو مظهر قدرة ، كما هو العذاب مظهر قوّة ، وهو في موقع الحكمة من رعايتك لما يصلح عبادك وما يحقق لهم كمالهم.
* * *
يوم ينفع الصادقين صدقهم
(قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) ، إنّ الموقف هنا هو موقف الصادقين الّذين صدقوا الله العقيدة ، كما صدقوه القول والعمل ، فهو الّذي ينفعهم ويرفع منزلتهم عند الله. أمّا الكاذبون المبطلون الّذين كذبوا رسول الله وتمرّدوا على رسالته ، وكذبوا على أنفسهم وعلى النّاس ، أمّا هؤلاء ، فسيجزون جزاء كذبهم وانحرافهم. ولعل المتأمل يستوحي من هذه الآية قيمة الصدق في حسابات التقويم عند الله ، وشموليته لكلّ الأعمال الّتي يقوم بها الإنسان ، بحيث إنّ كل معاني الإيمان ومواقفه وتطلعاته في آفاق الإنسان المؤمن ، تمثّل موقف صدق ، في ما يمثله الصدق من الارتباط بالحقيقة ، لانّه التعبير الواضح عن مطابقة الظاهر للباطن ، وموافقة الكلمة للواقع ، وانسجام العمل مع الخط المستقيم للعقيدة والشريعة. وبهذا يلتقي موقف الصدق بالموقف الحقّ ، ويتمّثل الصادقون في حركة العقيدة في الحياة ، كأنموذج للنّاس الّذين يعيشون المعاناة في الدنيا ، من خلال ما تفرضه مواقف الصدق من مآس وآلام وخسائر ماديّة ، وينطلقون في مواقف الفوز في الآخرة ، انطلاقا من محبة الله لهم ، في ما أعلن الله لرسله أنّه يحب الصادقين وانطلق الحديث عن الخير الّذي ينتظر الصادقين عند الله (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) ، فهناك النعيم الّذي يعيش الإنسان معه في متعة روحيّة وجسديّة مع كل