كل ما قالوه وفي كل ما فعلوه ، وفي جميع الأحوال ، فإنّ النّبيّ لا يتحمّل المسؤوليّة إلّا من حيث الإبلاغ والإنذار ، فلا مسئوليّة عليه في ما انحرفوا به من القول والعمل ، إذا لم يستجيبوا له ولم يطيعوه ، ولم يقدر على تغيير ما هم فيه. وليست الآية في مقام تحميله مسئوليّة ذلك ، لأنّ الله يعلم أنّ الأنبياء غير مسئولين عن انحراف أمتهم في حياتهم ، فكيف يتحملون المسؤوليّة بعد وفاتهم؟ بل كانت الآية واردة في مقام إقامة الحجة عليهم بهذا الأسلوب.
* * *
إسلام الأمر لله منتهى الروح الرسالية
وتأتي كلمة (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) لتُثير الجدل فيها في أنّها بمعنى الموت ، أو بمعنى بلوغ الحد في الحياة على أن يكون ذلك بمعنى التوفية أي بلوغ الشيء حدّه. وقد تحدثنا عن ذلك بعض الحديث في ما قدمناه من تفسير الآية الكريمة (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) [آل عمران : ٥٥] ذكرنا هناك أنّ الوصول إلى نتيجة حاسمة في هذا الأمر ليس مشكلة فكريّة عقيديّة أو عمليّة ، بل نترك لله إجمال ما أجمله مما لم يكلفنا بعلمه. وتتصاعد الروح الرسولية في إسلام الأمر كله لله الذي بيده العفو وبيده العقاب (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ، و (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) وملكك ، تتصرف بهم كيف تشاء ، لا يملك أحد غيرك ما تملكه منهم ، فلك أن تعاقبهم على ما جنوه وفعلوه من التمرّد على طاعتك بعد إقامة الحجّة عليهم من خلال ما بلغه رسلك من رسالتك.
* * *
العفو من موقع القدرة
(وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الّذي لا ينتقص من عزته شيء ، في