ما أمر به فتفعله ، وفي ما نهى عنه فتتركه ، وفي ما رسمه من وسائل وأهداف فتلتزم بها ، وفي ما أوحى به من عقائد ومفاهيم فتعتقد بها .. وهكذا تتسع العبادة لكل قضايا الحياة وأوضاعها ، وسبلها ، ووسائلها ، وغاياتها ، فيمثّل قيامك بكل مسئولياتك الفرديّة والاجتماعيّة ، المعنى الأعمق للعبادة ، وتكون الصّلاة والصوم والحج ونحوها مظهرا من مظاهرها ، لا كلّ شيء فيها ، وبذلك تكون كل آفاق الرسالة وتحركاتها لونا من ألوان العبادة الّتي تحول الحياة كلّها إلى مسجد ، يتمثّل فيها السجود لله في أكثر من شكل.
ونلاحظ في هذا المجال ، أنّ عيسى عليهالسلام لم يقتصر في جوابه على نفي ما قالوه ، بنفي تبليغه لهم ، بل تعدى ذلك إلى ما أمرهم به ، ليكون نفيه حجّة عليهم في ما قالوه ، كما يكون ما بلغه حجّة عليهم لإثبات انحرافهم عن خط الله ، والّذي التزم به من خلال الالتزام بالرسالة جملة وتفصيلا.
ويتابع عيسى عليهالسلام الحديث عن عدم مسئوليته عن هذا الفكر الّذي يسيرون عليه ، (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) فقد كان شهيدا عليهم ما دام معهم ، يراقب تحركاتهم وكلماتهم ، ويعرف الخطأ من الصواب في ذلك كلّه ، ويعرف المطيع والعاصي ، فيعظ هذا ، وينصح ذاك ، ويشجّع آخر ، ويؤدي دور الشهادة العمليّة عليهم ، لأنّ دور النبيّ ليس دور الشاهد المتفرج.
وهكذا يبدو لنا الفرق بين شهادة النّبيّ على الأمة وشهادة الأمة على نفسها وعلى غيرها ، وبين شهادة بقيّة الشهداء في الدعاوي والقضايا العامة. فإنّ هؤلاء لا يمثّلون إلا دور المتفرج الّذي يمارس ويسمع ، بينما يكون دور الأنبياء والأمة دور الشاهد الفاعل الّذي يشاهد الانحراف ويتدخل فيه من أجل تغييره ، ويتحمّل مسئوليته بقدر طاقته على ذلك كله ، ولذلك حصر الشهادة عليهم في حالة وجوده بينهم. أمّا بعد ذلك ، فهو لا يعرف من أمرهم شيئا ، كما لا يتحمل فيهم أيّة مسئوليّة ، ويبقى ذلك كله لله ، فهو الرقيب عليهم في