عيسى عليهالسلام ، في اعتقادهم بألوهيّة السيّد المسيح وعبادتهم له ولوالدته ، فتؤكد أنّ عيسىعليهالسلام غريب عن الموضوع كليّا ، فليس له دخل في ذلك من قريب أو من بعيد ، بل كانت رسالته على النقيض من ذلك ، لأنّها قامت على توحيد الله في العقيدة والعبادة ، فليس لأيّ بشر الحقّ في أن بعيدا أحدا من دون الله مهما كانت قيمته ، وليس لأيّ إنسان أن يعتقد في نفسه العظمة بالمستوى الّذي يتحول فيه إلى إله أو ما يشبه الإله ، فضلا عن أن يرى في ذاته تجسيدا للإله ، أو يرى النّاس فيه ذلك. وقد أدار الله الموضوع بطريقة الحوار بينه وبين عيسى عليهالسلام في يوم القيامة ، على الطريقة القرآنيّة الّتي تتحدث عن المستقبل بصيغة الماضي بالنظر إلى أنّه محققّ الثبوت. فقد قال الله له وهو يستعرض له الانحرافات الّتي حدثت من بعده : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) إنّ النّاس تعبدك وتتقرب إليك ، وتقدسك وتتخذك إلها ، كما أنهم يعبدون أمك فيخشعون لها ويخضعون لتماثيلها ، كما يفعلون مع الله ، فكأنّهم يتخذونها إلها من دون الله ، تماما كما جاء في الآية الكريمة : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) [الجاثية : ٢٣] فإنّ اتخاذ الهوى إلها لا يعني إلّا اتباعه وطاعته ، وترك طاعة الله في ما أمر الله به أو نهى عنه ، فهل كان ذلك من خلال تعاليمك؟ وهل كنت ترضى بذلك؟ ولكنّ عيسى عليهالسلام يقف ، من خلال الحوار ، وقفه الخاشع الخاضع لربّه ، الرافض لهذا الفكر الّذي لا يتناسب مع عظمة الله ، التّي تفرض على النّاس توحيده وتنزيهه عن كل شريك ، ليسبّح الله تدليلا على أنّه يعيش الشعور بالعظمة في أعلى مستوياتها : (قالَ سُبْحانَكَ) تعظيما لك وتنزيها عن كل ما خالف مقامك ، (ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ).
إنّ الإنسان الّذي يحترم نفسه هو الّذي يقف في حديثه عنها عند حدودها الذاتيّة في ما تملكه من طاقات ، وفي ما تتصف به من صفات ، ولا يتعدى ذلك إلى الدرجات الّتي لم يبلغها ، أو المواقع الّتي لا يملكها ، كما يفعل