الله سبحانه وتعالى ، بحيث تأتي استجابته تعالى كاشفة عن هذه المنزلة ، وبالتالي كمحفز ومنشّط لإيمانهم وفاعليته في الحياة. وهكذا كان ، رفعوا طلبهم إلى عيسى عليهالسلام بأن يسأل الله أن ينزل عليهم مائدة من السماء ، لكنهم صاغوا السؤال بطريقة ملفتة للنظر ، فقالوا له: (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) وهنا يتساءل الإنسان : هل كانوا في شك من قدرة الله ، في ما يوحي به السؤال ، أو أنّ هناك معنى آخر؟ ربّما اختار البعض الشق الأول من السؤال ، على أساس رد الفعل من عيسى عليهالسلام ، في ما نقله الله عنه من قوله : (قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، فإنّ مواجهتهم بالأمر بالتقوى ، وإثارة موضوع الإيمان أمامهم ، يدل على أنّ هذا الطلب يتنافى مع خط الإيمان والتقوى. ولكنّ بعضا من المفسرين رد على هذا الزعم ، بأنّه ليس من الضروري أن يكون ذلك موجها إليهم باعتبار الشك في قدرة الله ، بل من جهة أنّ هذا الطلب منهم يمثل شيئا لا معنى له ولا مبرر ، لأنّ مثل هذه الاقتراحات تصدر غالبا من غير المؤمنين للتعجيز ، أو لإثبات النبوّة ، فلا تصدر من المؤمنين الّذين يفرض عليهم إيمانهم الثقة بقدرة الله على كل شيء ، لأنّ ذلك هو معنى الألوهيّة الّتي تدعو إليها الرسالات السماويّة.
وعلى ضوء هذا ، لا بدّ لنا من أن نطلب معنى آخر ، وقد جاء في بعض الأحاديث أنّ معناه : هل تستطيع أن تطلب من ربّك؟! ولعل هذا التفسير ينطلق من الأسلوب المتعارف في طلب بعض الأشياء مما يعتقد الطالب بأنّ الشخص القادر على فعل ما ، لا يرفض تحقيق الطلب من خلال لطفه وكرمه وحاجة الطالب إليه ، كما يقول بعض النّاس لبعضهم البعض : هل تستطيع أن تفعل ذلك؟ ومراده أنّك تستطيع ذلك فافعله. وبذلك يطلق هذا الكلام في المورد الّذي يثق فيه الإنسان بقدرة المطلوب منه على ذلك ، أو في المورد الّذي لا يثق بقدرته. وعلى هذا الأساس ، يمكن لنا أن نتمثّل في حوارهم الّذي أداروه مع عيسى عليهالسلام ، أنّهم يقولون له : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا) ، فإذا