كان يستطيع ذلك كما نعتقد وكما تعتقد أنت من خلال رسالتك ، فاطلب منه ذلك ، لأنّك تستطيع أن تطلب منه ما يستطاع. وربّما كانت الفكرة الّتي تدور حولها الاستطاعة هي كون الشيء واجدا لشروطه الذاتيّة من توفر الحكمة فيه ، وقابليّة الطالبين لاستجابته لهم من حيث ارتباطه بمصلحتهم ، لأنّ الله لا يفعل شيئا لا حكمة ولا مصلحة فيه للعباد. ويطلب عيسى عليهالسلام منهم التراجع عن ذلك الطلب ، لأنّه لا ينسجم مع خط التقوى والإيمان ، لأنّ الّذين يقترحون المعجزات ، هم الّذين لا يؤمنون بها ، أو الّذين لا يؤمنون إلّا من خلالها. وعاد الحواريون ليبرروا طلبهم ، (قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا) والقضيّة هي أنّهم يتمنون أن يأكلوا من طعام السماء ، ليحصلوا على الطمأنينة القلبيّة الّتي تحب أن تضيف إلى المعرفة العقليّة معرفة حسّية ، (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) وليعلموا ـ علم اليقين ـ أنّه مرسل من الله في ما بلّغه إليهم عن الله ، (وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) فتكون حجّتهم أقوى ، وموقفهم أشد ، في مواجهة المنكرين والمرتابين. واستجاب الله لهم الدعاء بعد أن طالب عيسى عليهالسلام منه ذلك (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) لتكون عيدا للأولين والآخرين ، وآية للحق ، ورحمة من الله لهم ، وقال تعالى لعيسى عليهالسلام (قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) إنّه منزلها عليهم ، كما طلبوا وكما أحبوا ، (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ). ولكن من شرط المعاجز أنّها تطبق بالحجّة على مقترحيها ، فلا مجال معها لآية رحمة أو عفو أو مغفرة ، بل هو العذاب الشديد الّذي لا يعذّب به أحدا من العالمين ، لأنّ الجحود ، ـ بعد ذلك ـ يمثّل أقصى حالات التّمرد والكفران.
وهكذا وقفت الآيات عند هذا الحد ، فلم تتحدث عن طبيعة ما حدث