الواقع ، (وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) وينفيان الاعتداء عليهما في هذا التكذيب ، ويثبتان على نفسيهما الظلم ، لو كانا كاذبين أو معتديين.
وهكذا يثير الله أمامنا ـ في نهاية المطاف ـ الحكمة من هذا التشريع المرتكز على التأكيد الشديد بالقسم في حالة الشك والريبة ، (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ) بأنّ ذلك هو أقرب إلى أن يأتيا بالشهادة على وجهها الصحيح عند ما يعرفان النتائج السلبيّة الّتي قد تلحقهما في حالة الانحراف ، أو يخافا أن تكذّبهما الأيمان اللاحقة فتبطل أيمانهما ، مما يسبّب لهما الفضيحة أمام النّاس ، فيمنعهما ذلك من الشهادة بالباطل ، أو إخفاء الحقّ. ويختم الله الآيات بالدعوة إلى التقوى (وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا) في جميع المواقع العمليّة ليتحرّك الإنسان في الحياة من موقع المسؤوليّة الّتي تحميه من نفسه ، وتحمي الإنسان منه ، وتثير أمامه الأمر بالاستماع إلى ما يتلى عليه من الآيات ، ليعرف من خلال ذلك ، ما يجب عليه الالتزام به ، أو ليستقيم له الدرب ، ولتتم له الهداية (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) فإنّ الله يهدي الّذين يخافونه ويراقبونه فيسمعون آياته وتعاليمه فيهتدون بها ، الّذين أغلقوا قلوبهم عن خوف الله ومحبته وأصموا آذانهم عن آياته وكلماته ، فتركهم لأنفسهم ، وأوكلهم إلى أهوائهم.
* * *
مناسبة النزول
وقد ثار جدل كثير حول معنى هذه الآية .. ولكنّنا استقربنا ما قدمناه من تفسير واستوحيناه من بعض الرّوايات الّتي تحدثت عن مناسبة نزول هذه الآيات ، وهو حديث لا يخلو من الطرافة والإيحاء بالأسلوب الهادىء الّذي