الداعية إلى الله ، نبيّا كان أو غير نبيّ ، إلّا أن يبلّغ بأفضل أساليب التبليغ ، وليس من مسئوليّته ماذا يحصل بعد ذلك سلبا أو إيجابا.
* * *
احتمال آخر لحركة الآية .. ونقاش له
وقد ذكر بعض المفسرين احتمالا في النطاق الّذي تتحرك فيه الآية ، بأنّ المخاطب بها هو مجتمع المؤمنين الّذي يواجه مجتمع الكافرين بانحرافاته وضلالاته ، ليكون المراد بقوله : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) هو إصلاح المؤمنين مجتمعهم الإسلامي باتخاذ صفة الاهتداء بالهداية الإلهيّة من خلال المحافظة على معارفهم الدينيّة والأعمال الصالحة والشعائر الإسلاميّة العامة ، كما قال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران : ١٠٣] ، فإنّ المراد بهذا الاعتصام الاجتماعي الأخذ بالكتاب والسنة ، ويكون قوله : (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) ، يراد به أنّهم في أمن من أضرار المجتمعات الضالة غير الإسلاميّة ، فليس من الواجب على المسلمين أن يبلغوا الجد في انتشار الإسلام بين الطوائف غير المسلمة أزيد من الدعوة المتعارفة ، أو أنّه لا يجوز لهم أن ينسلوا مما بأيديهم من الهدى من مشاهدة ما عليه المجتمعات الضالة من الانهماك في الشهوات والتمتع من مزايا العيش الباطلة ، إذ (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) ، وتجري الآية على هذا ، مجرى قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ* مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) [آل عمران : ١٩٦ ـ ١٩٧].
ولكنّ الظاهر من الآية أنّها لا تخاطب المؤمنين كمجتمع من حيث إنّهم مجموعة مميّزة مرتبطة ببعضها البعض في مقابل مجتمع آخر على هذا النحو ،