وهكذا يريد القرآن الإيحاء للإنسان بالاستغراق في هذا الاتجاه من أجل أن يحمل مسئوليّته عن نفسه كاملة غير منقوصة ، فيعمّق لها مفاهيمها عن الكون والحياة ، طبقا لما أوحاه الله إلى رسوله ، ولما بلّغه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى النّاس ، حتّى لا تشتبه عليه الأمور ، فيضّل عن الهدى من غير علم ، وينحرف عن الحقّ من دون وعي ، وحتى يمتدّ في خط العمل على الصراط المستقيم ، فيضبط خطواته عن الانحراف ، ويمنعها من الزلل ، بالسير في حياته على هدي شريعة الله في ما تأمره به وتنهاه عنه ، ليتأكد لديه الفكر والالتزام ، فيصوغ على ذلك شخصيته صياغة إسلاميّة لا مجال فيها للاهتزاز والارتباك. ويتابع ـ بعد ذلك ـ عمليّة المراقبة والمحاسبة والرصد لكل حركة في داخل النفس من أفكاره ومشاعره ، وفي خارجها من أقواله وأفعاله ، ليستقيم له دورها وفاعليتها بانضباط دقيق بشكل مستمر ، من دون التفات إلى ما حولها من حالات الانحراف والضلال ، لأنّ ذلك ليس مسئوليته في ما يحمّله الله من ذلك.
* * *
الآية .. ومبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ولكن ، ماذا عن الدعوة إلى الله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! فقد حمّل الله المؤمنين مسئوليّة هذه الأمور ، واعتبر الالتزام بها استقامة على الدرب ، وإهمالها انحرافا عنه ، وتوعّد التاركين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما لم يتوعّد به على أيّة معصية أخرى ، فكيف نوفّق بين ذلك ، وبين ما توحي به هذه الآية من وقوف المسؤوليّة عند حدود النفس فلا تتعداها إلى غيرها؟
فهل هناك ناسخ ومنسوخ بين هذه الآية وبقيّة الآيات الأخرى كما