مسئوليّة ذلك ، وهكذا الأبناء بالنسبة إلى الآباء. ولهذا فإنّ خطأ الآباء في تصوراتهم لا يضعف قيمة الأبناء إذا اعترفوا بذلك أو غيّروه ، بل يؤكد قيمتهم ، بما يدل عليه من استقلاليّة في الكفر وأصالة في الشخصيّة وابتعاد عن الانطلاق مع العاطفة على حساب الأفكار والمبادئ.
وجاءت هذه الآية : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) ، لتطرح هذا التصوّر الخاطئ ، وهذا المنهج المنحرف ، لأنّهم يرفضون الدعوة الجديدة المنطلقة من وحي الله ونهج الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويمتنعون عن مناقشتها بعيدا عن مسألة الوضوح في الخط ، في ما يرفضه الإنسان وفي ما يؤيده ، بل لأنّهم لا يريدون أيّ فكر جديد في غير طريق فكر الآباء والأجداد.
وأراد الله منهم أن يرجعوا إلى تفكيرهم ليناقشوا الموضوع بهدوء ، فمن هم هؤلاء الآباء والأجداد؟ إنّهم مثل النّاس الّذين يعيشون معهم ، فمنهم العاقل ومنهم غير العاقل ، ومنهم المهتدي وغير المهتدي ، فكيف يمكن أن يربطوا مصيرهم بهم دون مناقشة ومراجعة تفصيليّة لما يحملونه من أفكار ولما يواجهونه من مواقف؟ فما ذا إذا كانوا ممن (لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)؟ ماذا إذا كانوا من الّذين لا يحملون مسئوليّة الفكر والحياة؟ هل يجوز للإنسان العاقل الّذي يحترم نفسه أن يندفع في هذ الاتجاه؟ وهل يسوغ للإنسان الواعي أن ينسحق أمام العاطفة ويسير معها إلى المدى الّذي يدمر فيه نفسه ومصيره؟ إنّ القرآن يطرح التساؤل ، لا ليأخذ الجواب ، بل ليوحي لهم بالجواب الحاسم من خلال جوّ الأفكار لهذا المنهج الّذي ينتهجونه في ما يوحيه السؤال من إنكار ، ليتحرّك الجواب في خطوات الواقع الّذي يتغيّر بتغيّر النّاس في أنفسهم. والله العالم.
* * *