الديمقراطية في ميزان النوع والكم
وربّما نجد الاتجاه السائد في العصر الحاضر في العالم ، اعتبار الأكثريّة ـ في مستوى الكميّة بعيدا عن النوعيّة ـ الأساس في الشرعيّة العمليّة الّتي تمثّل عنوان الحسن والطيب في جانب الأكثريّة ، والقبيح والخبيث في جانب الأقليّة ، وهذا ما يتمثّل في اللعبة الديمقراطيّة ، فهل يعني هذا أنّ التفكير الإنساني يعتبر القيمة الإيجابيّة في دائرة الأكثريّة كما يعتبر القيمة السلبيّة في دائرة الأقليّة دائما؟
إنّنا نلاحظ أنّ المسألة تتحرك في اللعبة الديمقراطية من موقع حركة النظام في الواقع العملي للنّاس ، باعتبار أنّ البديل عن ذلك حكم الفرد الّذي يمثّل الاستبداد ، فالمسألة نسبيّة في حساب القيمة النظاميّة ، ولذلك قيل : إنّ الديمقراطيّة أقل الأنظمة سوءا بمقارنتها بالأنظمة الاستبداديّة ، لا أكثرها حسنا ، فهي ـ لديهم ـ النظام الّذي يمكن أن يحقق التوازن بأقل قدر ممكن في حساب الحريات بحيث تكون المصلحة في طبيعة النظام لا في مضمونه.
ولذلك نرى الأصوات ترتفع بقوّة بانتقاد الأداء الشعبي الأكثري إذا انحرف عن المصالح الحيويّة للنّاس ، ويرون أنّ الأكثريّة قد أخطأت في النتائج ، أو أنها كانت بعيدة عن وعي المسؤوليّة. ولذلك يعملون على التغيير من خلال لعبة ديمقراطيّة أخرى لاضطرارهم إلى البقاء في دائرة النظام الديمقراطي لتفادي النظام الاستبدادي.
إنّ معنى ذلك أنّ الأكثرية لا تمثّل ـ حتى عند المؤمنين بها كنظام ـ القيمة الإيجابية في مضمونها الفكري والأخلاقي والقانوني ، لأنّ قضيّة الخبيث والطيب ، والحق والباطل ، تتمثّل في العناصر الكامنة في ذات الأشياء في العمق الداخلي لا في موقف النّاس منها ، أو التصورات الذهنيّة الخاضعة في