ورويت هذه الرّواية بطريقة أخرى ، قال عكرمة : نزلت في أبي بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن ، صنع علي لهم طعاما وشرابا ، فأكلوا وشربوا ، ثم صلّى علي بهم المغرب فقرأ (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) حتى خاتمتها ، فقال : «ليس لي دين وليس لكم دين» ، فنزلت : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى).
والمتأمل المتدبر في هاتين الرّوايتين وأمثالهما ، لا يسعه إلّا أن يخلص إلى كونهما مختلقتين موضوعتين ، وذلك لجملة أسباب تأخذ بعنق بعضها البعض :
أولا : إنّ التضارب ظاهر بين عناصر الرّوايتين ، ففي الوقت الّذي تنسب الرّواية الأولى إلى علي عليهالسلام وصنع الطعام والصلاة إلى عبد الرحمن ، تنسب الرّواية الثانية إلى عكرمة وصنع الطعام والصلاة إلى علي عليهالسلام.
وفي جانب آخر ، تجعل الرّواية الأولى الاختلاق على الشكل التالي : «ونحن نعبد ما تعبدون» ، فيما تجعله الرّواية الثانية بشكل آخر وهو : «ليس لي دين وليس لكم دين».
ثانيا : ثمة رواية أخرى على النقيض تماما من هاتين الرّوايتين مضمونا ، وأوثق سندا ومتنا وواقعا ، وهي الرّواية المروية عن ابن شهر آشوب عن القطان في تفسيره عن عمر بن حمران ، عن سعيد بن قتادة ، عن الحسن البصري ، قال : اجتمع علي وعثمان بن مظعون وأبو طلحة وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء وأبو دجانة الأنصاري في منزل سعد بن أبي وقاص ، فأكلوا شيئا ثم قدم إليهم شيئا من الفضيخ (١) ، فقام علي وخرج من بينهم قائلا : لعن الله الخمر ، والله لا أشرب شيئا يذهب عقلي ، ويضحك بي من رآني ، وأزوج كريمتي من لا أريد. وخرج من بينهم فأتى المسجد ، وهبط جبرئيل بهذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعني هؤلاء الّذين اجتمعوا في منزل سعد ، (إِنَّمَا الْخَمْرُ
__________________
(١) الفضيخ : عصير العنب. وهو أيضا شراب يتخذ من البسر المفضوخ وحده من غير أن تسمه النار.