للحياة. وقد يكون هذا المعنى معقولا كما هو ، ولكنّه ليس قريبا إلى ظاهر الآية ـ كما يقول صاحب تفسير الميزان (١) ـ. ولعلّ الوجه في ذلك هو أنّ الآية جاءت في مقام تقرير المبدأ في موضوع تحريم الطيبات ، وليست في مقام الدخول في كميّة ممارسة الإنسان من الاستمتاع بالطيبات ، فهي تريد أن تقرر أنّ مثل هذا التحريم يُمثل لونا من ألوان الاعتداء على حدود الله ، تماما كما هي الآيات الكريمة الّتي تجري مجرى هذه الآية في هذه الجهة ، كقوله تعالى في ذيل آية البقرة : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة : ٢٢٩] وفي ذيل آيات الإرث : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) [النساء : ١٣ ـ ١٤].
ويقول صاحب الميزان في التعقيب على هذه الآيات : «والآيات ـ كما ترى ـ تعد الاستقامة والالتزام بما شرّعه الله ، طاعة له تعالى ولرسوله ممدوحة ، والخروج عن التسليم والالتزام والانقياد اعتداء وتعدّيا لحدود الله ، مذموما معاقبا عليه» (٢).
وإذا كان الله لا يحبّ المعتدين ، فإنّ على المؤمن أن يتلمّس في تفكيره وسلوكه مواقع الانسجام مع خط الله والانطلاق في طاعته ، ومواقع الاعتداء على حدود الله والسير في خط معصيته في كل موقع من مواقع الحياة ، لأنّ المؤمن يعمل دائما من أجل الحصول على محبة الله ورضاه ، فلا يطيق ـ في أي حال ـ أن يعيش بعيدا عن ذلك مع النّاس الّذين لا يحبّهم الله.
* * *
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٦ ، ص : ١٠٨.
(٢) م. ن. ، ج : ٦ ، ص : ١٠٧ ـ ١٠٨.