الكلمات الّتي يختم بها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حديثه ، أنّ التشديد الّذي كان لونا من ألوان الفهم الخاطئ للخط الرسالي الّذي جاءت به الرسالات الإلهيّة ، هو السبب في تشديد الله عليهم ، كعقوبة دنيويّة تعرّفهم نتائج الانحراف في الدنيا من خلال طبيعة العلم الّذي يفرضه الانحراف ، لتوحي لهم بأنّ الله لا يريد للإنسان أن يعذّب نفسه ويشدد عليها بوسائل التشديد ، لأنّه لا يعتبر ذلك فضيلة دينيّة إلّا من خلال الخط الكبير.
* * *
لا تحرّموا طيبات ما أحل الله
وفي ضوء ذلك كلّه ، جاءت الآية الأولى ، لتنهى المؤمنين عن تحريم الطيبات الّتي أحلّها الله لهم ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) وذلك بالامتناع عن ممارستها ، بحجّة أنّ تركها يمثّل وسيلة من وسائل رضا الله ، ويوحي بأنّ ذلك يمثّل لونا من ألوان الاعتداء على حدود الله الّتي رسمها لعباده لتسير حياتهم عليها ، ولترتبط قضاياهم بها ، فإذا تجاوزوها ، كان ذلك اعتداء عليها وعلى الحياة ، لأنّ ذلك ينحرف بالخطة الحكيمة عن مسارها الطبيعي ويسيء إلى الناس وإلى حياتهم في نهاية المطاف ، وقد يكون في ذلك اعتداء على الله ، في ما أراده من التحرّك في تطبيق التشريع على أساس حقّه على النّاس في الالتزام به كما ينبغي له.
(وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) وقد يفسّر البعض معنى الاعتداء ، بتجاوز حدود الاعتدال في ممارسة الطيبات ، فلا يتخذ النهي عن تحريم الطيبات أساسا للانكباب على متع الحياة الدنيا بطريقة متطرفة ، لأنّ ذلك يساوي التطرّف في الترك الّذي لا يوافق عليه الإسلام في تشريعه وتخطيطه