وبدأوا يخططون لأسلوب معين من التربية في اتجاه تذويب كل النوازع والغرائز والشهوات ، وتجميدها ، وتحويل الإنسان إلى شخصيّة جامدة الشعور أمام الطيبات ، قاتمة الملامح أمام انفعالاتها ، مغمضة العيون أمام مباهجها وزخارفها ، واعتبار ذلك السلوك هو القيمة الروحيّة الأمثل لاقتراب الإنسان من رحمة الله ، وهكذا يحاول البعض أن يرى في الصورة صورة الإسلام الّذي لا يتفق مع حيويّة الحياة. وإذا جاؤوا إلى آيات الإقبال على الحياة ، والاستمتاع بطيباتها ، في ما يأكل النّاس وما يشربون أو يستمتعون به من حاجاتهم ، قالوا إنّ الإسلام دين الماديّة البعيدة عن الآفاق الروحيّة ، فهو يعمل على ربط الإنسان بالدنيا في قيمها الحسيّة الماديّة ، وإبعاده عن القيم المعنوية الروحيّة ، ويخطط لأسلوب تربوي ، في اتجاه تحويل كل المعاني الروحيّة إلى وسائل مثيرة ، لإعطاء المادة لونا من ألوان الروح ، مما يؤكد ارتباط الإنسان بالمادة وإبعاده عن الروحيّة المجرّدة. وبذلك يتحوّل الإنسان إلى كائن حسيّ باحث عن الشهوات ، ظامئ للذّات ، بعيد عن عالم التجرّد والروح. وهكذا تمتد الصورة ليتحدث المغرضون ـ من خلالها ـ بأنّ الإسلام هو دين الحسّ المادي ، لا دين الروحيّة الصافية.
وجاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليصحّح النظرة ، وليوضح الفكرة من القاعدة ، بأنّ الدنيا ليست الآخرة ، وأنّ الإنسان ليس ملاكا ، وأنّ الإسلام دين للحياة بأسمى معالمها وأقدس قيمها ومثلها ، ودين للإنسان بأجلى مظاهر إنسانيّته ، وأكمل مراتبها. وذلك من خلال خطة ترسم للواقع ملامحه على صورة الرسالة ، وتخطط للرسالة حركتها على أرض الواقع ، ليكون الإسلام دين الحياة كما ينبغي أن تكون عليه واقعا ، لا دينا يبرر الواقع المنحرف فيلغي رساليته في التغيير ، ولا يحوّل الرسالة إلى فكرة تعيش في نطاق التجريد والخيال. فالإنسان بشر ، يعيش في الدنيا ، وللبشرية حاجاتها ، وللدنيا وسائلها ، فلا بدّ من أن ينام الجسد ، لتكون اليقظة حيّة فاعلة ، ولا بدّ من أن يأكل ويشرب