حديث لا يخلو من مبالغة
قد يلمح الإنسان في هاتين الآيتين ، شيئا من هذا الحديث الّذي رواه المفسرون في أسباب النزول. فقد جاءتا لتعالج هذه الظاهرة الجديدة الّتي انطلقت من حالة روحيّة وجدانيّة ، عاشها هؤلاء المسلمون في انفعالهم بالآيات والمواعظ الّتي سمعوها من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن القيامة وأهوالها ، فاعتبروا الموقف الطبيعي لهم ، أن يتركوا الدنيا بكل طيباتها وشهواتها ، ويتفرغوا للآخرة بالعبادة والتجرّد عن كل النوازع والملذات ، لأنّ ذلك هو السبيل للخلاص من الأهوال والشدائد ، وللتعبير عن الإخلاص لله ، أي بتعذيب النفس في الدنيا وحرمانها من كل ما تشتهيه كقيمة روحيّة يحبها الله ورسوله. وقد يكون في هذا الحديث ، لون من ألوان المبالغة في تصوير حالة هؤلاء الأشخاص من الصحابة بتلك الصورة ، لأنّ السلوك العملي الّذي كان يتمثّل في حياة رسول الله ، يمكن أن يعطيهم الصورة الواضحة للموقف ، ولا سيّما أنّ منهم من يملك المعرفة الشاملة في الخط الإسلامي للحياة.
* * *
الإسلام يوازن بين الدنيا والآخرة
إنّنا نسجل بعض التحفظات التأمليّة في بعض هذه التفاصيل ، ولكنّنا نعتبر الحديث صورة حية لهذا النموذج من النّاس الذين يفهمون جانبا واحدا من الصورة ، ولا يتطلعون إلى الجانب الآخر ، فيسيئون فهم القضّية كما هي في واقع التشريع ، فإذا جاؤوا إلى آيات الزهد ، قالوا بأنّ الإسلام هو دين الابتعاد عن الملذات والشهوات ، وإهمال الحياة بكل مظاهرها ونوازعها ،