ويرفضوا الدنيا ، ويسيحوا في الأرض ، وهمّ بعضهم أن يجبّ مذاكيره.
فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأتى دار عثمان ، فلم يصادفه ، فقال لامرأته أم حكيم بنت أبي أمية ـ واسمها حولاء ، وكانت عطارة ـ : أحقّ ما بلغني عن زوجك وأصحابه؟ فكرهت أن تكذب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكرهت أن تبدي على زوجها ، فقالت : يا رسول الله إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك. فانصرف رسول الله ، فلما دخل عثمان أخبرته بذلك ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هو وأصحابه ، فقال لهم رسول الله : «ألم أنبئكم أنكم اتفقتم على كذا وكذا؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، وما أردنا إلّا الخير فقال رسول الله : إني لم أؤمر بذلك. ثمّ قال : إنّ لأنفسكم عليكم حقا ، فصوموا وأفطروا ، وقوموا وناموا ، فإنّي أقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وآكل اللحم والدسم ، وآتي النساء ، ومن رغب عن سنتي فليس مني.
ثمّ جمع النّاس وخطبهم وقال : ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم ، وشهوات الدنيا؟ أما إنّي لست آمركم أن تكونوا قسّيسين ورهبانا ، فإنّه ليس في ديني ترك اللحم ، ولا النساء ، ولا اتخاذ الصوامع ، وإنّ سياحة أمتي الصوم ، ورهبانيتهم الجهاد ، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وحجّوا ، واعتمروا ، وأقيموا الصّلاة ، وآتوا الزكاة ، وصوموا رمضان ، واستقيموا يستقم لكم ، فإنّما هلك من كان قبلكم بالتشديد ، شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم ، فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع ، فأنزل الله الآية» (١).
* * *
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٣ ، ص : ٢٩٤ ـ ٢٩٥.