وكانت الاستجابة لهذه الابتهالات الروحيّة ثوابا بما قالوا ، (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) الذين أحسنوا القول والعمل ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أما هؤلاء الذين ابتعدوا عن مواقع رحمة الله بعد أن دعاهم الله إليها وتمردوا في روح عدوانية كافرة ، أما هؤلاء فهم أصحاب الجحيم (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ).
* * *
الديانات السماوية وعقد أصحابها
وهكذا نستوحي من هذه الآيات ، أن المشكلة الّتي يعانيها أصحاب الديانات السماويّة ، في ما يختلفون فيه ، ليست مشكلة الفكر الذي يتنازعون في صحته وفساده ، وليست مشكلة الشريعة الّتي يختلفون في صوابها وخطئها بل هي مشكلة الروحيّة التي يواجهون بها بعضهم البعض. فقد ينطلق البعض من موقع العقدة الّتي تحاول أن تتداخل بسلبياتها الخانقة في كل فكر وكل أسلوب ، لتنحرف به عن مساره الطبيعي في حالة المواجهة الفكريّة ، فيتحول الأمر إلى حرب بين العواطف والتشنجات بدلا من أن يكون حوارا بين الأفكار ، ويلف الموضوع ذلك الضباب النفسي الحائل دون وضوح الرؤية مما يؤدي إلى التشاحن والتباغض ، فالحرب في نهاية المطاف. وقد ينطلق البعض من موقع الفكرة التي تتطلع إلى الوضوح ، فتواجه الفكر بالفكر الذي يناقش ويحاور من أجل أن يكتشف المناطق المجهولة لديه أو يكشف للآخرين المناطق المجهولة عندهم ، ليقف الجميع ، من خلال ذلك ، على أرض الحقيقة الّتي يلتقي عليها كلّ الناس الذين يعيشون الشوق الروحي إلى المعرفة ، وهذا ما يهدف إليه الإسلام في أسلوبه الفكري ، في الدعوة إلى الحوار ، بالروحيّة التي لا تتحرك من خلفيات العقدة ، بل تعيش انطلاقات