من أهل الشام فيهم بحيرا الراهب ، فقرأ عليهم رسول صلىاللهعليهوآلهوسلم سورة (يس) إلى آخرها ، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا ، وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى ، فأنزل الله فيهم هذه الآيات» (١).
* * *
النصارى الأقرب مودة للذين آمنوا
لم يلتق النبيّ محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أهل الكتاب في موقف صراع في مكّة ، فقد كان المجتمع المكي مجتمعا وثنيا مشركا ، إلا من بعض أفراد قلائل ، ولذا لم نجد في الآيات الّتي نزلت في مكّة ، ما يشير إلى أي جدال أو حوار بينه وبينهم ، لأنه كان مشغولا بمحاربة الشرك والوثنيّة من جهة ، ولأنهم لا يعتبرون مشكلة إسلاميّة من جهة أخرى.
وربما نلمح في البداية ، تعاطفا وتقاربا بينه وبين المجتمع النصراني في مكان آخر ، من خلال مشروع هجرة المسلمين المضطهدين إلى الحبشة فرارا بدينهم ، أملا في أن يجدوا هناك بعض الحرية والطمأنينة في ممارسة عقيدتهم ، وهذا ما حصل كما يحدثنا به التاريخ الإسلامي ، وتشير إليه بعض الآيات الكريمة. فقد حدّثنا التاريخ أنهم قد حصلوا على الحماية القوية عند ملك الحبشة النجاشي ، حيث حال بينهم وبين قريش الّتي لحقت بهم إلى هناك لتوغر صدره عليهم ، فلم يستجب لذلك ، بل أصغى مع جماعته إلى أفكار المسلمين وأقوالهم ، وانسجموا مع الأجواء الروحيّة الّتي أفاضها القرآن الكريم عليهم ، بما تلاه المسلمون من الآيات الّتي تتحدث عن عيسى وأمّه عليهالسلام ، وعن المعاني الروحيّة الكبيرة الّتي أوحى بها الله إلى نبيه ، مما يلتقي مع الخط
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٣ ، ص : ٢٩١ ـ ٢٩٢.