تقبلني ، فأبى فلما انتشى عمرو دفعه عمارة في الماء ونشب» (١) عمرو في صدر السفينة وأخرج من الماء ، وألقى الله بينهما العداوة في مسيرهما قبل أن يقدما إلى النجاشي.
ثم وردا على النجاشي ، فقال عمرو بن العاص : أيها الملك ، إن قوما خالفونا في ديننا وسبوا آلهتنا وصاروا إليك ، فردهم إلينا. فبعث النجاشي إلى جعفر فجاءه ، فقال : يا أيها الملك سلهم أنحن عبيد لهم؟ قال : لا بل أحرار ، قال : فسلهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها؟ فقال : لا ما لنا عليكم ديون ، قال : فلكم في أعناقنا دماء تطالبونا بها؟ قال عمرو : لا ، قال : فما تريدون منّا؟ آذيتمونا فخرجنا من دياركم ، ثم قال : أيها الملك ، بعث الله فينا نبيّا أمرنا بخلع الأنداد وترك الاستقسام بالأزلام ، وأمرنا بالصّلاة والزكاة والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، ونهانا عن الفحشاء والمنكر والبغي ، فقال النجاشي : بهذا بعث الله عيسى ، ثم قال النجاشي لجعفر : هل تحفظ مما أنزل الله على نبيّك شيئا ، قال : نعم ، فقرأ سورة مريم عليهالسلام : فلما بلغ قوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) [مريم : ٢٥] قال : هذا والله هو الحقّ. فقال عمرو : إنه مخالف لنا فردّه إلينا ، فرفع النجاشي يده وضرب بها وجه عمرو وقال : اسكت والله لئن ذكرته بعد بسوء لأفعلن بك ، وقال : أرجعوا إلى هذا هديته ، وقال لجعفر وأصحابه : امكثوا فإنكم سيوم والسيوم الآمنون ، وأمر لهم بما يصلحهم من الرزق ، فانصرف عمرو وأقام المسلمون هناك بخير دار وأحسن جوار إلى أن هاجر رسول الله وعلا أمره وهادن قريشا وفتح خيبر ، فوافى جعفر إلى رسول الله بجميع من كانوا معه ، فقال رسول الله : لا أدري أنا بفتح خيبر أسر أم بقدوم جعفر. ووافى جعفر وأصحابه رسول الله في سبعين رجلا منهم اثنان وستون من الحبشة ، وثمانية
__________________
(١) نشب الشيء في الشيء : علق.