النبيّ صلي الله عليه واله وسلم فقالوا : ألست تقر أن التوراة حق من عند الله؟ قال : بلى ، فقالوا : فإنا نؤمن بها ولا نؤمن بما عداها ، فنزلت الآية ، أي لستم على شيء من الدين حتى تعلموا بما في الكتابين من الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم والعمل بما يوحيه ذلك منهما» (١).
* * *
المعنى الحقيقي للانتماء إلى الكتب السماوية
ماذا يمثل الانتماء إلى الكتاب؟ هل هو مجرد نسبة يحملها الإنسان من تاريخ آبائه وأجداده لتمثل نسبا تاريخيا كما هي الأنساب التاريخيّة المتّصلة بالأشخاص والصفات ، من دون أن تحمل معها شيئا من مضمون التاريخ في معطياته وأفكاره؟ أو هي شيء يتّصل بالمضمون في عطائه الحاضر في الفكر والموقف حيث يكون الكتاب هو الذي يطبع الشخصيّة بطابعه ، فيعطي الفكرة من فكره ، ويحدد المواقف من خلال خطوطه العمليّة ، وبذلك يكون الانتماء في المضمون لا في الشكل؟
إن الآية تطرح القضية على الأساس الثاني للتساؤل ، فهي لا تكتفي بنفي الانتماء الحقيقي للكتاب بالأسلوب المألوف ، بل تنفي ارتكازهم على أي شيء بالنحو المطلق ، إلا بإقامة التوراة والإنجيل والقرآن ، والذي عبرت عنه الآية ، (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) ، لأن ذلك هو الذي يمثل القاعدة الصلبة في قضية الوجود أمام الله ، وبذلك يمكن استيحاء الموقف الذي يمارسه الناس في إطلاق الصفة على أساس الانتماء التاريخي ، مما يجعل من اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام
__________________
(١) تفسير القرطبي ، ج : ٢ ، ص : ٥٧.